١٢‏/٠٧‏/٢٠٠٧

طفل يحدث انقلاباً في حياة أسرة




أمل جلال صبري واحدة من أشهر الأمهات اللواتي لديهن أطفال متوحدون في أبوظبي، بدأت قصتها مع هذا المرض منذ أكثر من خمسة عشر عاما بعد أن أصيب أبنها المولود، وهو في سن الثانية ونصف السنة من عمره بالتوحد بعد أن كان طفلا طبيعيا يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي جدا.

وهذا الابن وهو أخر العنقود لأخ وأخت يكبرانه بسنوات قليلة أفزع والديه وأخواته بانعزاله المفاجئ وعدم تفاعله معهم كلية، دارت به الأم على الأطباء الذين لم يستطيعوا تشخيص حالته فلم يكن هذا المرض مشهورا في بلادنا آنذاك وصدمت والدته عندما أخبرها الأطباء أن حالته ميؤوس منها وأقصى ما يمكن أن تفعله له هي أن تضعه علي أرجوحه طوال اليوم، إلا أن أخصائية طب للأطفال النفسي في مصر أخبرتها أنه يشكو في معانته من حالة توحد، وبدأت تشرح لها ماذا يعني التوحد، ولم يكن في مصر أو الإمارات آنذاك اهتمام بتلك الفئة، فطارت به إلى أميركا. وهناك لم يأخذ الأطباء وقتاً طويلاً في تشخيص حالته، وبدأت الأم بإصرار وعزيمة علي مساعده عمرو وإخراجه من محنته وعاشت معه فترة طويلة داخل المركز وعادت به بعد أن تدربت جيداً علي معاملته وتدريبه، وأصبح الطفل محط اهتمام العائلة بأكملها حتى أن والده الطبيب نال دراسات عليا في طب نفس الأطفال. وتخصصت أخته في دراسة علم النفس، وينوي أخوه الذي يدرس الطب في التخصص في الجينات، أم الأم التي تستحق بالفعل جائزة على إصرارها وعزيمتها التي لاتلين طوال خمسه عشر عاما في مساعدة أبنها وتدريبه حتى يصبح إنسانا نافعا، تركت مهنتها الأصلية كمحاسبة ونالت ماجستيرا في علم النفس ثم قررت أن تشارك في تأسيس عدد من المراكز التي تعتني بتلك الفئة حتى أسست مركزها الخاص بها مركز الإمارات للتوحد في أبوظبي.

الأمل مقابل الحزن.



.. تقول أمل جلال صبري لقد صدمت في البداية مما أصاب ابني وأصبت مع والده بالحزن والاكتئاب الشديد، إلا أنني لم أتنازل أبدا عن الأمل الذي جعلني أبذل كافه الجهود من أجل أبني الذي غير مجري حياتنا بالكامل، فقد دربته علي الفروسية والسباحة، ولم أتركه أبدا فهو ليس غبيا علي الإطلاق إلا أنه غير قادر علي التعلم ويأخذ وقتا طويلا في التعلم، والآن فاز بالمركز الأول في مسابقة الأولمبياد التي أقيمت العام الماضي في أبوظبي وكانت على مستوى دول الخليج، وقد أسموه بعدها «الجولدن فيش». وهو الآن طالب في مدرسة عبدالجليل الفهيم الابتدائية والحمدلله متفوق، والحقيقة ان طفل التوحد يحتاج إلى رعاية مكثفة ومتواصلة ومجهده ومكلفة وهناك طريقة خاصة لإدخال المعلومات في رأسه واذا كان الطفل يحتاج إلى مدرس واحد لتعليمه، فطفل التوحد يحتاج إلى ستة، لأنه لابد وان يتدرب بمفرده وليس مع الآخرين.

وعندما فكرت في افتتاح هذا المركز رغبت ان أتابع أبني بنفسي في كل شيء وأيضا رغبت في ان أتابع حالات أخرى من الأطفال تعاني من التوحد، وأشعر بسعادة بالغة عندما تتصل بي أم تشكرني على التطور الملحوظ في حالة أبنها أو أبنتها.

والحقيقة أن تكاليف تعليم طفل التوحد باهظة الثمن، والدخل لا يغطي رواتب المدرسين مع ارتفاع الإيجار، رغم التخفيض الذي نلته من صاحب الفيلا تعاطفا معه مع أطفال التوحد.

حالة وليست مرضا

وتبين لنا أمل جلال ان التوحد ليس مرضا فهو حالة، وقد اختلف العلماء في أسبابه وحتى الآن لم تظهر الدراسات أسبابه، في البداية قالوا ان طفل التوحد مولود لأم باردة، ثم عدلوا رأيهم وقالوا ان الجينات هي المسؤولة، أو قرابة الزوجين السبب، وجميعها تكهنات لم تثبت جديتها حتى الآن.

والتوحد اضطراب ثماني يتضح ملامحه خلال الثلاثين شهر الأولى من عمر الطفل، ويتمثل في قصور نوعي بالتفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي مصحوب بأنماط سلوكية متكررة.

وأطفال التوحد لديهم صعوبة في التواصل البصري والتحدث بوضوح وإقامة علاقات مع الآخرين، وتتفاوت الأعراض من حيث الحدة أو الدرجة، بحيث يستحيل ان نجد طفلين متشابهين تماما.

ولأطفال التوحد مظهر جذاب ولا يوجد لديهم ملامح ظاهرة مميزة نسبة انتشار الاضطراب 166 :1 طفل على المستوى العالمي وفي كل الأجناس والاعراق والطبقات الاجتماعية ـ الاقتصادية المختلفة.

وطبقا للإحصائيات المحلية التي أجرتها في الإمارات كلية الطب بجامعة الإمارات فان معدل انتشار الاضطراب يتراوح بين 3ـ 6 لكل 1000 طفل، أي ما بين 333 :1 إلى 166 :1 ويحدث التوحد بمعدل 4ـ 5 اضعاف بين الذكور مقارنة بالاناث.

ويوجد العديد من النظريات والفرضيات حول أسباب التوحد ولكن حتى الآن لا يمكن الجزم بسبب محدد.

والتوحد ليس مرضا عقليا ولا يوجد اختبارات طبية محددة لتشخيصه، حيث يعتمد التشخيص على الاختبارات الإنمائية والسلوكية، وحاليا لا يوجد شفاء ناجح لحالة التوحد ولكنه قابل للعلاج والتحسن الملحوظ من خلال برامج التدخل المبكر.

ويقول واقع الحال الذي يمثل قوائم الانتظار الخاصة بالمراكز التي تقدم الخدمات المتخصصة لهؤلاء الأطفال والتي تتطلب جهودا جبارة ونوعية متميزة وبالتالي فإن طاقتها الاستيعابية لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات الفعلية للأعداد المتميزة.

قرارات الأمهات

وتضيف أمل جلال صبري ومن هذا المنطلق قررنا نحن كمجموعة من أولياء أمور الأطفال المتوحدين ـ تأسيس مركز بجهود ذاتية يقدم خدمات تربوية وتأهيلية لائقة تركز على أسس علمية من أجل استيعاب قسم من هؤلاء الأطفال لا يجد ذويهم المكان المناسب لإلحاقهم.

والمركز مؤسسة نفع عام لا يهدف إلى الربح ويعتمد في تمويله على التبرعات والمنح من الجهات الحكومية الخاصة حيث أن تكلفة الطفل تصل إلى 60 ألف درهم سنويا يقوم الأهل بدفع نصف التكلفة ويتحمل المركز النصف الآخر.

ويتنبى المركز فلسفة المنهج النفسي ـ التعليمي وذلك من خلال التركيز علي تطور الجوانب الاجتماعية، الأداركية، النفسية والسلوكية للطفل، من أجل أن يستطيع الطفل تنمية قدراته الكامنة واكتساب المهارات الضرورية للاستقلالية من أجل العودة إلى أسرته ومجتمعه.

ويقدم المركز خدمات تخصصية تتوائم مع خصوصية وغموض وأضراب طيف التوحد، فإن المركز يحرص على اتباع النهج العلمي المتخصص بدءا من التقييم للحالات ومروراً بتصميم وتنفيذ البرامج من خلال بيئة صحية تتناسب مع الأنماط الأدراكية لطفل طيف التوحد وانتهاء بدمجهم تربويا ومجتمعياً.

وتشير أمل صبري، هناك مقياسان لتشخيص وتقييم مستوى تطور المهارات الأساسية من خلال المقياس النفسي تعليمي المعدل للأطفال حتى عمر 11 سنة.

والمقياس النفسي تعليمي للمراهقين والبالغين، ثم استخدام تصميم وتطبيق الخطة التعليمية الفردية المرتكزة على نتائج التقييم، وتطبيق أحدث البرامج التعليمية في مجال التوحد.وتعديل السلوك وتطوير المهارات الاجتماعية.

وبرامج التدخل المبكر للأطفال في سن ما قبل المدرسة المتضمنة لبعض الوقت الدمج في الروضة مع مدرس ظل، ودمج الأطفال المؤهلين سلوكيا وأكاديميا بالمدارس العامة وتقديم خدمات علاج التخاطب والنطق من خلال جلسات فردية وجماعية وبرامج تدريبية باستخدام الكومبيوتر من خلال جلسات فردية، وبرامج التربية البدنية التكيفية، وجلسات العلاج الوظيفي وبرامج التدريب المهني، وبرامج الإرشاد الأسري، تنظيم المحاضرات والندوات وورش العمل ومجموعات دعم الأسر.

ويضم المركز 33 طفلاً بينهم خمس صبايا تتراوح أعمارهم من 3 سنين إلى 18 سنة، 70% منهم مواطنون فقط وهذه النسبة لقدرة الآباء على تحمل الأعباء المالية.
===========================