٢١‏/٠٣‏/٢٠٠٨

راية المحرزي .. تزوجت في سن 11 وأنجبت 12




ولدت راية خميس محمد المحرزي في مدينة خورفكان في إمارة الشارقة، ونشأت في أسرة مترابطة وتربت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كان والدها بدويا يعمل تارة مزارعا وأحيانا ركابا أو مطراشا، وفي غياب الوالد كانت الأم تعمل بدلا منه في الزراعة وتربية الهوش، وإحضار الماء والحطب، ورعاية البيت والأولاد، تركت المدرسة و تزوجت في سن الحادية عشرة وانتقلت للعيش في كلباء.

ورغم إنجابها لعدد كبير من الأبناء إلا أنها أبدا لم تنس حلمها في إكمال دراستها، وكان لوالدها الأثر الأكبر في دفعها نحو العلم رغم أنه كان بدويا بسيطا إلا أنه كان يقدر التعليم ويشجع عليه، وكان هناك حافز أكبر زرعه في داخلها شيوخ الشارقة عندما كانت طفلة صغيرة في المدرسة، وواصلت تعليمها والتحقت بمحو الأمية وظلت تدرس حتى تخرجت من الجامعة بقسم الشريعة والقانون.

وعملت كرائدة في العمل الاجتماعي والديني وتعيش حاليا في أبوظبي، ورغم الطفرة المادية التي غيرت وجه الحياة في الإمارات إلا أن راية مازالت متمسكة بأيام الماضي في تلقين أولادها القيم والعادات والتقاليد الجميلة لأهل الإمارات، وتتذكر الماضي بحب رغم قساوته، ولم تتذكر أنها شعرت يوما بالتذمر أو بالتمرد على واقعها الذي كان.

تقول راية المحرزي : ولدت قبل أكثر من أربعين سنه تقريباً في خورفكان في إمارة الشارقة، و نشأت في أسرة متماسكة. كان والدي بدوياً يعمل في الزراعة، والركاب حيث كان ينقل الأغراض والناس من مكان إلى آخر بواسطة الجمال، وعمل أحيانا مطراشا، والمطراش الذي يرسل بواسطة البعض من إمارات إلى أخرى ليوصل بضائعهم أو رسائل وهكذا، وكان الرجال في خورفكان يعملون في الزراعة أو وصيد الأسماك والرعي.

وكنت الصغرى لخمس أخوات بنات وثلاثة من الأولاد، ورغم أن والدي بدويا إلا أنه كان متعلما يعرف القراءة والكتابة ويحفظ القرآن الكريم، لذلك تربينا جميعا على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتعلمنا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان إذا ذهب والدي في الركاب أو المطراش، كانت والدتي بجانب رعايتها لأولادها وبيتها تخرج أيضا للعمل في المزرعة، وتحضر الحطب من أجل إشعال النار للطبخ والتدفئة، وكانت تسير إلى البئر لتحضر ماء الشرب والطهي والاستعمالات المنزلية، وهكذا كانت جميع النساء من حولنا لم يكن هناك استثناءات.

ولأنني كنت آخر العنقود فقد تزوج جميع أخواني ولم يعد في البيت سواي، وأخي أحمد، وعندما يعود والدي من رحلاته كان يقص لنا ما رآه من ويلات السفر، فالحياة لم تكن سهلة كما هي الآن، فلا توجد مواصلات حديثة، ولا طرق ممهدة ومرصوفة تسهل الوصول إلى الأماكن المراد السفر إليها، بل كان علينا أن نسافر في طرق رملية مملؤة بالصخر والحصي.

وكان السفر مشقة كبيرة، ويحتاج من يسافر من ابوظبي إلى العين أو دبي 10 أيام بالجمال حتى يصل، إذا وصل فعلا ولم يحدث له مكروه في الرحلة، وفي السفر يأخذون معهم الطعام والماء لأنهم يسيرون في الصحراء، وإذا نفد طعامهم فلا منجد لهم . كنا نعيش في الحي كأهل، فالأسر كانت متماسكة والمجتمع بأكمله مترابط، تسود بين الجميع الرحمة والمودة والتكاتف، حتى أنه إذا جاء ضيف تجد الحي بأكمله يرحب به، فهذا يقدم له القهوة وهذا يعزمه على الطعام وذلك يطلب منه المبيت عنده وهكذا.

ولما ضاقت بنا سبل العيش، كان الرجال يتركون زوجاتهم وأبناءهم ويسافرون بحثاً عن الرزق في الكويت والسعودية وقطر والبحرين والهند، وقد سافر والدي إلا أنه لم يحتمل البعاد وعاد ثانية إلى خورفكان. ورأيت بعيني بيوتنا قديماً، وهي العرشان التي كانوا يستخدمونها في الشتاء، وهي عبارة عن كارين وعريش مثل الغرفة والصالة حالياً، وكانت بيوت البدو ونحن منهم خيمة مصنوعة من صوف الغنم، وفي أيام الصيف ننتقل من المناطق الدافئة إلى المناطق القريبة من المزارع بحثاً عن الهواء البارد. وكانت أمام الخيمة جلسة في الخارج تسمى سيم وينامون عليها في الليل في الهواء الطلق.

التمسك بالعادات والتقاليد

وتضيف راية المحرزي: رغم التطور الذي شمل كافة جوانب الحياة في الإمارات إلا أنه مازالت العائلات الكبيرة متمسكة بالعادات والتقاليد والحفاظ على الأصالة والهوية، وتتجلى مظاهر ذلك في التراحم والتزاور، وطقوس الاحتفالات برمضان. أتذكر أننا في الماضي لم تكن للبيوت أبواب تغلق علينا. كانت الأبواب مفتوحة أمام الجميع، وفي رمضان يجلس الجميع على مائدة واحدة.

الرجال في مكان والنساء والأطفال في مكان آخر، وكل بيت يحضر ما لديه من طعام ليأكل الجميع منه، وكان المسحراتي يجوب الأماكن وهو يدق على الطبلة ليذكر الناس بموعد السحور، حتى إذا انتهى الشهر تعطيه كل عائلة روبية أو اثنتين، وقد اختفى هذا الرجل حالياً مع زحف المدينة والتطور والعمران الحديث وانتشار الفضائيات.

كان طعامنا مكونا من العيش والسمك أو اللحم أو الدجاج، وكان طبقنا المفضل المكبوس والثريد والهريس، أما الحلويات فكانت الخبيص والساجو والفرني والتمر المطبوخ بالسمن والبثيث، أما الآن فقد تنوعت الموائد بأكثر من عشرين نوعاً من الطعام الخليجي والعربي والهندي، والحلويات الإماراتي والشامية وغيرها.

وفي رمضان لم يكن لدينا فضائيات لنشاهد المسلسلات والفوازير وغيرها، إنما كنا نلتف حول أمهاتنا لتقص علينا كل يوم خاروفة (حكاية) وكانت تقوم بتشويقنا وإثارتنا، وتعيد وتزيد حتى تغور أعيننا وننام. وقبل العيد بعشرة أيام تبدأ الأمهات في تحضير الملابس بحياكتها بأنفسهن، فكن يشترين الأقمشة مثل لبريسم وأبوطيرة وبوكليم وأبو دقة ويصنعون التلي ويحيكون لنا الأثواب والسراويل، كذلك كنادير الأولاد.

الآن ما شاء الله لدينا مولات ومحلات خاصة بجميع أنواع الملابس التي تتبع الموضات العالمية، ولم يعد الأولاد يقتنعون باختيار الأمهات والآباء، بل أصبح لديهم رأي خاص وذوق خاص، إلا أننا مازلنا نحتفظ بالعباءة التي تستر الجسد، وحتى تلك لم تسلم من التطور فأصبحت بأشكال كثيرة ومتعددة ودخلت الموضة إليها أيضا، وكذلك مازلنا نحتفظ بعادة نقش الأيدي بالحناء، رغم أنها أيضا أصبح لها موضة في تنوع نقشاتها.

الأسرة الكبيرة الممتدة

وتقول راية: كان كل أهلي أبي وأمي والعائلة الكبيرة تعيش في بيت واحد، وكانت تبني البيوت من الطابوق المتعرش بالكندل والمربع والبلويد، فلم يكن في السقف حديد وكان الكندل بدلا منه. والحقيقة أنني لم أر حياة البؤس كثيراً، فعندما تولى المغفور له الشيخ زايد الحكم بدأ الخير يعم كافة أنحاء البلاد، وبدأت الحكومة في حفر الآبار وتحسنت الأحوال وزاد الاهتمام بتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتبدلت أحوالنا من البؤس والشقاء إلى الغنى والرقي.

وتضحك راية قائلة الحين كل واحد عنده أكثر من بيت كبير وأربع غرف وصالة وأكثر من طابقين، وأكثر من مجلس للرجال والنساء وأيضا نبني خيم الشعر في بيوتنا من أجل إحياء التراث، وأبراج شاهقة، وماء وكهرباء ومكيفات وكل سبل الراحة في المعيشة.

وتتذكر راية كيف تم زواجها وهي طفلة صغيرة قائلة: كنت في المدرسة الابتدائية ولم أتجاوز الحادية عشرة من عمري، وقتها كنت مطلوبة للزواج من ابن عمي، وكانت والدتي ترغب في زواجي من ابن عمتها وكنت البنت الوحيدة الباقية في البيت بعد أن تزوجت أخواتي، وعندما طلب أحد معارف الوالد يدي لابنه وافق فوراً، وقال لوالدتي سأزوجها من خارج العائلة حتى لا تصير مشاكل.

ولم أر زوجي إلا يوم الزفاف، فلم تكن الفتاة ترفض رأي أبوها، أتذكر أنه يوم الملكة أي عقد القران جاء إلى والدي والشهود وسألني، هل توافقين على الزواج من فلان ابن فلان، فأجبت أن الرأي رأيك والشورة شورتك، وليس لي رأي بعدك ولا أخالف رأيك، وكان زوجي يكبرني بحوالي 18 سنه وكان متزوجا من قبل إلا أنه طلق زوجته ولديه منها ولد، ولم نكن نعرف ذلك إلا بعد أن تم عقد القران، وكان الطلاق وقتها أمرا غير مألوف وعيبا، وليس كما هو حاصل الآن.

كان والدي متسامحا في أمور تكاليف الزواج، ويردد دائما أقلهن مهرا أكثرهن بركة، وكان الناس يطلبون في بناتهم في ذلك الوقت 30 ألف روبية، إلا أن والدي طلب 1500 روبية فقط حاضر وغايب، أي مقدم ومؤخر، وطلب من العريس إلا يكلف نفسه كثيرا في الزهبة أي الذهب الذي يقدم هدية للعروس والملابس وغيرها، وقال لزوجي أنا أبغيك فقط (تطعم جماعتك وتشيل زوجتك).

وفي العرس أقاموا مأدبة غداء للناس تتكون من 20 ذبيحة، واجتمع أهل خورفكان وكلباء لحضور العرس الذي رقصت فيه فرق العيالة، وانتقلت إلى كلباء للعيش في بيت أهل زوجي الذي كان لا يعمل، وكان والده الذي ينفق على المنزل.

وبدأ حياته موظفاً صغيراً، ثم التحق بتعليم الكبار وأصر على مواصلة تعليمه ودرس الشريعة والقانون والتحق في دبي بجامعة الإمام علي وهي ما تسمي الدراسات الإسلامية الآن، ثم تخرج من جامعة أم درمان في الخرطوم فيما بعد وتحول إلى العمل في التجارة ويمتلك عدداً من المزارع في كلباء.

عمل في ليلة العرس

وتضحك راية وهي تتذكر اليوم الذي انتقلت فيه إلى بيت عائلة زوجها قائلة : منذ اليوم الأول لزواجي أخبروني بالمهام التي تقع على عاتقي في البيت، وفي اليوم التالي بدأت العمل إلا أن أم زوجي قالت لي ارتاحي وبعد ثلاثة أيام تبدأين مهامك في البيت.

وتقول راية كانت البنت ومنذ الصغر تعرف أنها عندما تذهب إلى بيت زوجها عليها أن تخدم عائلته، وكان الأب يقول لابنته (هذا زوجك وهذا قبرك) دلالة على أنها سوف تعيش معه حتى تموت وعليها ألا تفكر في العودة إلى بيت أبوها مطلقا، ومهما حدث بينهما من مشاكل عليها ألا تخبر أحدا، بل يجب أن تقوم بحلها معه داخل غرفتهما، وعلى الزوجة أن تعامل والدي زوجها كما تعامل والديها وتطيعهما.

وتضيف: وكنت أدير شؤون البيت كاملاً من طهي وتنظيف، ورعاية المواشي، وكانت لدى أسرة زوجي خادمة من أسرة فقيرة تأتي يوميا للمساعدة، ولا تأخذ راتبا بل كان أجرها تأخذه من غداء البيت، وبعض الملابس القديمة التي نستغنى عنها فقط، فلم يكن لدينا خدم فلبينيات أو سيرلانكيات أو غيرهم في ذلك الوقت.

وتؤكد راية أنه لم يحدث أن تشاجرت يوماً مع عائلة زوجها، أو غضبت وعادت لبيت أبوها، فلم تكن تلك الأمور موجودة مثل ما نشاهده هذه الأيام، وأنجبت 5 بنات وسبعة أولاد، وكذلك قامت بتربية أولاد أخت زوجها وكانت سعيدة بحياتها ولم تشعر يوماً بالتذمر.

أما بالنسبة لأولادها، منهم من تخرج من الجامعة ويعمل، وآخرون مازالوا يدرسون ومنهم من تزوج وأنجب. تقول راية: مثلما تربيت على احترام الحياة الزوجية ربيتهم، وكذلك لم أغال في المهور وزوجت بعضهم في العرس الجماعي، ومنهم من عاش معي في البداية ثم خرج ليسكن بمفرده ومنه من يعيش معي الآن في المنزل.

علمت بناتي وزوجات أولادي الاهتمام بأولادهن وعدم تركهن للخدم، حتى لا يقعن في أخطاء بعض نساء اليوم اللاتي يتركن أولادهن للخدم، فالأم هي المحور الرئيسي للبيت كله حتى وإن كانت امرأة عاملة. فطفرة المال التي أتت إلينا مع تعدد الجنسيات الموجودة غيرت الكثير من سلوكياتنا، وأصبح هناك خلط بين الثقافات وهذا ما أرفضه لأنه يجب علينا الحفاظ على هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا، وحتى الآن تعيش معي والدة زوجي والكل يحترمها ويسمع كلامها لأنها الأم «العودة».

راية على الإمارات

وتواصل راية حديثها عن كيفية حبها للعلم ومواصلة دراستها في محو الأمية قائلة، يعود الفضل لوالدي الذي كان يشجعني على إكمال تعليمي، وكان يردد دائما عليك أن تواصلي تعليمك فالعلم يزيدك معرفة وأهمية في الحياة.

وعندما تزوجت في عمر الحادية عشرة تركت مدرسة باحثة البادية التي كنت أدرس فيها في خورفكان، وأتذكر أنني بدأت أشعر برغبة قوية في مواصلة تعليمي عندما زار المدرسة الشيخ خالد بن محمد بن صقر القاسمي حاكم الشارقة في ذلك الوقت، وقدموني إليه كرائدة للفصل، وقد أهديته باسم المدرسة مصحفاً، فسألني عن اسمي فقلت له راية فقال لي ان شاء الله يا راية تكونين راية، شدي حيلك في دراستك، وأكملي تعليمك.

وفي الصف الثاني الابتدائي زارنا صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بعد أن أصبح حاكماً لإمارة الشارقة، وكذلك سلمت عليه وقدمت له باقة ورد، وسألني أيضاً عن اسمي فقلت له راية، فقال لي ان شاء الله تكونين اسم على مسمى وتكونين راية على الإمارات، وشجعني ببعض الكلمات لمواصلة تعليمي، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحلم بمواصلة دراستي، ورغم زواجي وإنجابي لعدد كبير من الأبناء.

إلا أن ذلك لم يثنني من عزيمتي خاصة وأن زوجي رجل متعلم ومحب للعلم، وبدأت أعمل خطة لنفسي وهي الدراسة على المدى البعيد دون استعجال فيها، وأخذت خطوات جدية في الالتحاق بمحو الأمية وتعليم الكبار، وكنت أتذكر بيت الشعر الذي كان والدي دائما يقوله لي (العلم يرفع بيتا لا عماد له ... والجهل يهدم بيت العز والشرف)، وكان والدي عند زواجي قد اشترط على زوجي أن يتركني أكمل تعليمي، ودرست حتى تخرجت من الجامعة «شريعة وقانون».

عملت في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كرائدة في العمل التطوعي الديني والاجتماعي، وأواصل أعمالي في العمل التطوعي وهو مجال لي طموحات كثيرة فيه وأشعر أنني أقدم فيه خدمات تناسب شخصيتي، فأنا منتسبة لعدة جمعيات خيرية، وجمعيات النفع العام، وذوي الاحتياجات الخاصة وصندوق الزواج، وأقوم بإلقاء المحاضرات الدينية والاجتماعية على المقبلين على الزواج، وفي المدارس. فهذا الجيل المحاط بعناية كبيرة خرج ووجد المال والحياة السهلة الجميلة لكنه يفتقد إلى ثقافة إدارة البيت والاهتمام بشريك الحياة والأبناء، فالمادة طغت على النفوس إلى درجة نخشى منها.
============================