تقول لولوة عيسى الحميدي مديرة مركز الصناعات اليدوية والبيئية في الاتحاد النسائي العام في أبوظبي: تأسس المركز عام 1978م، على إثر تطبيق البرنامج الإنمائي الخاص بالنساء من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يركز على إيجاد وظائف مناسبة للسيدات من خلال تنمية مهاراتهن الحرفية وجاء تأسيس المركز ليكمل ويساعد مراكز التنمية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في مجال تنمية المهارات الحرفية وتطوير الإنتاج الحرفي من خلال التوجيه والإرشادات والتدريب حول الجمع بين الأصالة والحداثة.
ويهدف المركز إلى إحياء التراث وتطويره والحفاظ عليه من الاندثار، وإبراز شخصية المرأة في دولة الإمارات ودورها في إحياء التراث، وإنشاء قاعدة عريضة لدى المجتمع حول التراث والبيئة، وتعريف الجمهور في الدولة وخارجها بالتراث الشعبي، وما وصلت إليه المرأة في دولة الإمارات من رقي وتقدم وذلك من خلال المشاركة في إقامة المعارض المحلية والعربية والدولية .
وقد فاز مركز الصناعات اليدوية والبيئية بالمركز الأول على مستوى العالم في التراث بمشاركة 146 دولة في معرض هانوفر في ألمانيا عام 2000م، ونال المركز العديد من شهادات التقدير لمشاركته في احتفالات سفاراتنا في دول العالم، والمعارض التي شارك فيها داخل وخارج الدولة، وفتح باب التدريب أمام ابنة الإمارات وإتاحة الفرصة للعاملات في الحرف والفنون اليدوية على الإنتاج الذي يعود عليهن بالنفع ويسهم في الوقت نفسه في الحفاظ على تقاليد الدولة من الاندثار والضياع.
سبعة أقسام ومشاغل
ويعمل في المركز 22 مدربة يشرفن على ما يقارب من مئة عاملة، وقد تم تقسيم المركز إلى مجموعة من الوحدات بحيث تركز كل وحدة على حرفة يدوية معينة وتعمل على إبرازها وتطويرها من خلال إنتاج المشغولات اليدوية المناسبة التي تجمع بين أصالة وعبق الماضي في أحياء التراث، وبين الحداثة في أسلوب العرض.
وتتمثل أقسام ومشاغل مركز الصناعات اليدوية والبيئية في مشاغل التلي، مشاغل السدو، صناعة الخوص، مشاغل النسيج، مشاغل الخياطة، مشاغل الفنون اليدوية الحديثة، والمعرض الدائم للتراث. وتؤكد لولوة الحميدي أنه خلال نشاط «صيفنا مميز» الذي يقيمه الاتحاد النسائي يقدم الاتحاد دورات صيفية في أشغال السدو والخوص حتى تتعرف عليه الأجيال الحديثة وتأخذ فكرة عن الأشغال اليدوية التراثية وحفاظا عليها من الاندثار.
وفي جولة في أقسام ومشاغل مركز الصناعات اليدوية والبيئة السبع بدأنا بمشغل التلي، والتي تعد من الحرف النسائية المنتشرة في الإمارات، والتي تستخدم في تزيين الملابس النسائية. العاملات في المركز أكدن أنهن تعلمن المهنة من الأمهات والجدات اللواتي كن يقمن بأنفسهن بصناعة كل ما يخص المنزل والاحتياجات اليومية.
وأنهن أيضا تلقين تدريبات لإتقان أعمالهن خلال الدورات التي قدمها لهن الإتحاد النسائي العام، وأن المهن اليدوية تحتاج إلى صبر وإتقان لذلك لا يمكن لبناتهن توارث تلك المهن رغم أنهن تعلمنها، إلا أنهن انخرطن في التعليم ويفضلن الانشغال بالاستذكار والجلوس أمام شاشات الكومبيوتر، فالحرف اليدوية تتطلب دقة ومهارة وصبرا والجلوس لساعات طويلة محنيات الظهر لإنجازها.
وتشير أم سالم إلى الكاجوجة التي تستخدم في عمل التلي قائلة: هي عبارة عن قطعة معدنية توضع عليها موسده «وساده بيضاوية» مصنوعة من القطن لنصنع عليها التلي، وهو عبارة عن خيوط مزركشة بألوان عدية أبيضة وأحمر وأزرق وغيرها حسب لون الثوب المراد تزينه، وهناك نماذج عديدة من التلي مثل بوفتله، بوفتلتين، بوثلاث، وأنواع تسمى الغولي، بروج، راس بلوى.
وكانت الخيوط قديما من القطن، لكن الآن تصنع نستخدم خيوطا من الحرير وكانت المرأة والتي تقوم بخياطة جميع ملابسها وملابس أولادها فلم يكن في الإمارات محلات للخياطة أو الملابس الجاهزة كما هو موجود الآن، تصنع التلى بنفسها لتزين بها تلك الملابس، وفي الماضي كانت تستخدم خيطا من الفضة الخالصة، أما الآن فنحن نستبدلة بخيط من النايلون الفضي.
وتضيف آمنة التلي موضة متجددة رغم أنه من التراث، ومازالت المرأة الإماراتية تستخدمه في تزيين الملابس والجلاليب التقليدية، وهناك أنواع من التلي للأثواب، والتلي الذي يزين به السروال الذي ترتديه المرأة تحت الثوب يكون مختلفا في أشكاله وأعرض من الذي يستخدم للأثواب. وتؤكد أم محمد أن التلي أصبح يستخدم في تزيين المنتجات الحديثة مثل غلاف المكامل، أغلفة النظارات، الإشاربات، الملابس الحديثة، تزيين علب العطور،وفرش السرير، كما أن صناعة التلي.
السدو بألوان عصرية
وتعتبر صناعة السدو من أهم الحرف التقليدية المنتشرة في بادية الإمارات، حيث تمر عملية صناعة السدو بعدة مراحل تبدأ بتجميع الصوف من الخراف والجمال، ثم غزله بالمغزل اليدوي وتشكيله على هيئة خيوط وبكرات مدورة يتم صبغها فيما بعد بألوان معينة مستوحاة من البيئة كالبرتقالي والأصفر والأحمر.
وبانهماك شديد جلست أم سيف تصنع السدو وبادرت بالكلام قائلة: كانت النساء قديما تقوم بغزل الصوف بواسطة مغازل يدوية متعبة أما الآن فقد تغير الأمر باستخدام مغازل حديثة وسريعة وسهلة الاستعمال، والنسيج الذي أقوم بصناعته يستخدم في بيت الشعر، والسجاد، وعمل الحواجز في الخيمة، وأسرجة الجمال، والمساند التقليدية، ومازال الإماراتيون يستخدمونها حتى الآن، بجانب بعض الاستعمالات الحديثة كالحقائب اليدوية، والأحزمة وغيرها.
كذلك أدخلنا بعض الألوان الجديدة على النسيج لم تكن مستخدمة من قبل الأزرق والفوشيا والأخضر وغيرها فأعطته أشكالا مبتكرة مع استخدام الطرق الهندسية في نسجه من منتجات السدو العيشيرية والساحة والبطان والعتاد.
وفي مشغل الخوص جلست آمنة يوسف بوميان تجدل ألياف النخيل وهي تقول: يؤخذ الخوص من سعف النخيل بعد قطعه ووضعه في الشمس إلى أن يتحول إلى اللون الأبيض، ولا تعتمد المرأة في صناعة الخوص على لونه الطبيعي فقط، بل تصبغه بألوان مستوحاة من الطبيعة كالأحمر الغامق والفوشيا وغيرها، وبعدها يبلل ويلف إلى أن يلين بحيث يسهل تشكيله أثناء عملية السف.
الاعتزاز بتراث الأجداد
وتؤكد أم سالم السعدي أن ما تقوم به في المشغل هو جزء من تراث الأجداد الذي نعتز به ونحافظ عليه من الاندثار، وأن هذا العمل اليدوي يتطلب مجهودا شاقا وصبرا لأنه يأخذ وقتا طويلا ودقة في العمل، ورغم أن بناتها تعلمن طريقة صناعة الخوص إلا أنهن لا صبر لديهن، ولا يمكن أن يجلسن بالساعات لينجزن واحدة من مصنوعاته، فالكومبيوتر لديهن أفضل كثيرا من الانهماك في هذا العمل المرهق.
وتسرد شيخة أم سيف بعض أسماء المنتجات المصنوعة من الخوص قائلة: أشكال تستخدم في الحياة اليومية كأغطية الطعام والحصير وأواني لحفظ الأشياء وغيرها، وحتى الآن يحرص المواطنون على تواجد تلك المصنوعات في بيت الشعر أو المجلس العربي في بيوتهم.
وفي مشغل النسيج عكف عدد من النساء بمزج خيوط القطن والصوف بحيث تلف الخيوط القطنية على النوال التي تشغل عليها الصوف بهدف صناعة الحقائب والأحزمة والمناظر وغيرها من أدوات تزيين البيت.
وفي مشغل التطريز والخياطة تستخدم النساء تصاميم من البيئة وتطبقها على قطع من الأقمشة المختلفة الأحجام والألوان، من خلال استخدام ماكينات حديثة وآلات خاصة بالتطريز، ومن بين المطرزات التي تنتجها الشيل، الكنادير، السراويل بالإضافة إلى الشراشف ومفارش الطاولات وأطقم المواليد وغيرها.
أما مشغل الفنون اليدوية الحديثة فهو يختص بالصناعات اليدوية الحديثة المستوحاة من التراث والبيئة القديمة، ومن منتجاتها صناعة السيراميك على أشكال النخيل وسلال الرطب والرسم على الشيل والحناء. ويضم المعرض الدائم للتراث على أقسام توضح نمط الحياة المختلفة التي عاشها الأجداد مثل حياة البادية وحياة البحر والساحل، والأزياء الشعبية وحلي المرأة الإماراتية وزينتها، وركن للأعشاب والأدوية.