٣١‏/٠٧‏/٢٠٠٨

محمد عبد الجليل الفهيم رجل أعمال يتذكر زمن الصبر




يعود الفهيم بذاكرته الى الطفولة: (الجو حار وخانق تملأه العواصف. كان الفقر والحرمان زادنا والمياه المالحة تزيد من عطشنا وشقائنا. كان قصر الحاكم (المغفور له بإذن الله الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي آنذاك)، ملجأ خوفي ومكمن قوتي في طفولتي، لأنه كان محصنا بحراس أشداء يمسكون اسلحتهم طوال الوقت، وبالقرب من القصر صفت مدافع وذخائر كروية الشكل، وكلما تحينت الفرصة كنت أقف على سطح القصر لأرى لون البحر وأمواجه المتلاطمة ورمال الصحراء التي تحيط ببيوتنا من كل الجوانب.

كان حبنا كأطفال للنخلة كبير وعميق فهي تشبه أمهاتنا، كانت تحنو علينا وتطعمنا وتستر أجسادنا. نستظل ونتعلق بها عندما يثور البحر لتحمينا منه بعد أخذه بيوتنا الصغيرة، وكانت والدتي رحمة الله عليها تجلس تحت النخلة لتحتمي بها من حرارة الشمس وربما كانت تشكو لها تعبها والآلام التي عانت منها بسبب تشقق قدميها التي لم تجد لها علاجا، وهذا حال الجميع في ذلك الوقت، فلا علاج ولا دواء لأمراض استعصى شفاؤها وقضت على من أصابتهم بالموت. كان مجلس منزلنا كبيرا يرتاده أناس كثيرون في صحبة والدي يتناولون معنا ما توفر من رزق الله، ومن بطن البحر الذي ارتدى عباءة الفقر مجبرا فأفقرنا معه، وكان الرجال أسياد البحر يصطادون منه السمك ويغوصون فيه بحثا عن اللؤلؤ، لقد شاء المولى سبحانه وتعالى امتحان مدى صبر الناس على البلاء لحكمة لا يعلمها إلا هو، فكسدت تجارة اللؤلؤ بعدانتاج اللؤلؤ الصناعي الأرخص ثمنا، وأصبح الجوع والبلاء لا يرحم صغيرا أو كبيرا.

وكان لكلام البحارة والغواصين بعد آخر ترصده عيونهم وآذانهم من البلدان التي يذهبون إليها، وكنت أسمعهم يتحدثون عن الحرب الدائرة في البلاد البعيدة (الحرب العالمية الثانية)، وعن بلد عربي سلبوا أرضه وشردوا أهله، وتمنيت رغم صغر سني أن أذهب اليهم وأساعدهم رغم أننا كنا في أشد الحاجة للمساعدة. وكانت أمي مثل نساء الحي الصبورات المكافحات المنتظرات عودة أزواجهن من رحلة الغوص، وكن يبحثن أو يحفرن الآبار من أجل الماء، وأتذكر اصطفافهن ذات مرة حول بئر قديمة يلقين بصفيحة معدنية مربوطة بخيوط من سعف النخيل، ويفرغن ما أحضرنه من ماء في حجلة (وعاء من الفخار لتبريد الماء) أو قربة سوداء مصنوعة من جلد الماعز. ولم يكن لدينا كأطفال شيئا نفعله سوى اللعب بالرمال وطين البئر ونصنع منه أشكالا والعابا مثل الحويم (لعبة خاصة بالذكور) وعربة الجريد، ونذهب لحفظ القرآن عند المطوع درويش.

شراسة العاصفة... ويتذكر الفهيم العاصفة التي أتت على جالبوت عمه (مركب للغوص والتجارة) والذي جلس مع عمه قرابة الشهرين يحاولان أصلاحه، وذات يوم سرقه النوم من شدة التعب، وأفاق على أصوات بكاء وعويل وسيل من المطر حجب عنه الرؤية، ورياح عاصفة، ثم غاصت قدماه في الرمال حتى وصلت الى خصره، وأخذته الرياح بأتجاه البحر فلم يجد سوى النخلة التي احتضنها طالبا حمايتها. واشتد صفير الرياح واضاء البرق المكان، وارتعدت أوصاله من شدة البرد، ثم هدأت العاصفة لساعة ثم عادت ثانية أقوى واشرس مما كانت، إلا أنه لم يترك أبدا النخلة التى لم يكن بها شيء يقتات منه ويسد به جوعه. وعندما لم تتوقف العاصفة بدأت قواه تنهار، لكن فجأة جاءت المشيئة وهدأت وبدأ البحر ينسحب، وسكت صوت البرق وعاد للسماء لونها الأزرق، ولكن بعد أن أخذ البحر معه منازل الحي، وهرعت إليه أمه التي كانت تبحث عنه لتضمه الى صدرها.

كنا نهرب من حر ورطوبة أبوظبي في الصيف الى واحة العين، وكانوا أسعد منا حالا واكثرنا فرحا. يحبون الحاكم بشكل كبير (المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان)، كان يمنح الناس بطيب خاطر كل ما معه، وكان يردد دائما أن الله وحده هو القادر على تغيير الأحوال، وكان الأهالي يصدقون كل كلمة يقولها، لثقتهم في إدراكه لمعاناتهم وامتلاء قلبه بهمومهم ومشاكلهم.

الفرح الاول

وفي العين شهدت الفرح الاول في حياتي، وكان زفاف أختي الكبيرة مريم، وفي الساحات رأيت سباق البوش والرزافة والنعاشات واليولة والعيالة على دقات الطبول، ونقلت أختي مع صديقتها العروس الأخرى ليزفا الى عريسين أخوين على الهودج ومعهما المندوس (صندوق خشبي مزخرف) وفيه ملابس وعطور العروس.

ويواصل الفهيم: وعاد أبي وأمي الى أبوظبي ثانية وتركوني في العين، حيث عشت سنوات في قصر الحاكم بصحبة ابنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وهناك عرفت معنى السعادة والراحة، فقد عشت بينهم معززا مكرما، وقتها انشغل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد ببناء سوق جديد لأهل العين تتوفر فيه كل احتياجاتهم من مواد غذائية وخضروات وفاكهة وغيرها، وشاهدت كيف كانت آمال الناس معلقة بقصر الحاكم.

قصر الحاكم

مرت خمس سنوات على بقائي في الواحة، كانت سنوات جميلة مازالت محفورة في ذاكرتي، لقد زرع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد كل ما يمكنه زراعته وحصد كل ما تطاله كفاه لتقديمه بحب وطيب خاطر الى أهل الواحة الذين تغيرت أحوالهم الى الأفضل. اشتقت للعودة الى أبوظبي لأرى أمي وأبي، خاصة وكنت قد كبرت وشارفت على سن الشباب، وفي بداية دخولي أبوظبي مع القافلة شعرت أن المدينة تغيرت.

حيث بني جسر المقطع من الرمال والحصى ليعبر عليه الناس بدلا من انتظار الجزر ليعبروا ماء البحر، ورأيت سفنا كبيرة ترسو بالقرب من الشاطيء، وعرفت أن هناك غرباء أتوا للبحث عن البترول ويحفرون في كل مكان في البحر والبر وسيكون ظهور البترول هو الخلاص لنا من الفقر.

لقد انقلب حال صحرائنا من الصمت الى الضجيج الذي تصنعه صوت الحفارات في كل مكان، رأيت أشخاصاً يتحدثون لهجات عربية مختلفة، وشاهدت الإنجليز يجوبون الفريج بسيارات الجيب، وبدأ أهل أبوظبي يعملون معهم، إلا أنهم كانوا يتقاضون أجورا زهيدة أقل من الغرباء.

ظهور النفط

ويتذكر الفهيم ظهور النفط.. كان الوضع شبه ميئوس منه في مشيخة أبوظبي مع انهيار صناعة صيد اللؤلؤ بدءا من الثلاثينات وما بعدها، وكان بناء قصر الحاكم قد وفر إغاثة قصيرة الأمد من البطالة المزمنة والفقر الشديد، وجاءت أوائل الأربعينات وأهل أبوظبي أسوأ حالا، ولكن حين بوشرت أعمال استكشاف البترول بدأت الأمور تتحسن وخاصة مع اكتشاف النفط بكميات تجارية وتصدير أول شحنة في ديسمبر 1963 من حقل بري في (باب) بجبل الظنة.

كان كل ما يكسبه السكان المحليون الذين عملوا في شركات النفط قليلا، كما لم يتلقوا تشجيعا للعمل كموردين أو مقاولين لحساب شركات النفط كما حدث في السعودية، لهذا ينظر الأشخاص الى تلك الفترة بمرارة، كانوا يقبلون أي عمل، تنظيف، حراس وسائقين أو طباخين، وكانت الأعمال الأفضل للوافدين الهنود أو العرب من لبنان وسوريا وفلسطين.

وكانوا يتقاضون ثلاث روبيات يوميا، ويعانون من سوء الطعام والمعيشة، ومن يطالب بزيادة أجره يطرد من العمل أو يسجن، مما دفعهم الى الإضراب عام 1963م. ولكن بعد 3 سنوات في 1966م حين تسلم الشيخ زايد رحمه الله حكم أبوظبي، كان أول أعماله إعادة التفاوض على اتفاقيات الامتياز مع شركات النفط وتحسين شروطها، وإقناع الشركات بالشراء من السوق المحلية بدلا من الاستيراد من أوروبا، ومنذ ذلك الوقت بدأ التغيير.

إضاءة

محمد عبد الجليل الفهيم الرئيس الفخري لمجموعة شركات الفهيم، انخرط في العمل بمجموعة الشركات التي تملكها العائلة عقب الانتهاء من دراسته في بريطانيا عام 1968، وبمساعدة والده نجح في توسيع دائرة نشاطاتها مما ساهم في إنمائها لتصبح واحدة من كبرى المجموعات التي تمتلكها وتديرها إحدى العائلات في منطقة الشرق الأوسط.

وتضم المجموعة في الوقت الراهن العديد من الأنشطة في مختلف المجالات، فهناك الشركات التي تعمل في المجال العقاري والفنادق والسيارات والسفر وهناك من تعمل في مجال الصناعة والخدمات البترولية والدعاية والإعلان. كما أنه حاصل على جائزة الرئيس التنفيذي بمنطقة الخليج للعام 1995، وألف محمد الفهيم كتابه الأول وأسماه (من المحل إلى الغنى.. قصة أبو ظبي).

وكان باللغة الإنجليزية، كما ترجم ونشر#باللغات العربية واليابانية والفرنسية والأردية، ثم كتا''ب الدليل إلى البدء في مشاريع الأعمال بدولة الإمارات العربية المتحدة'' وتم نشره باللغتين العربية والإنجليزية، وكان الراوي لرواية ''زمن الصبر'' للكاتبة مريم الملا.
===========================



١١‏/٠٧‏/٢٠٠٨

وسائل الإعلام هل تعكس قضايانا بطريقة واقعية؟

معظم النقاش أوضح أن كثيرات منهن لا يهتممن كثيرا بسماع الإذاعة أو رؤية التلفاز أو حتى قراءة الصحف والمجلات، ربما لأن هذا الجيل يقضي أوقاته أمام الكمبيوتر الذي يتيح له الاطلاع الإلكتروني بشكل أوسع وأكبر.

هند خليفة الكتبي تخصص محاسبة، أبدت اعجابها بقناة سما دبي قائلة: انها تعبر عنا وتصنع نجوما من الإعلاميين والإعلاميات الشباب، وقد ظهرت بنت الإمارات على الشاشة بلباسها التقليدي وحجابها وأثبتت قدرتها على المنافسة، بل والتفوق اذا أتيحت لها الفرصة، وأعجبني كثيرا مسلسل أم خماس لأنه عبر بصدق عن الموروث الثقافي لشعب الإمارات. وسلط الضوء على المرأة الإماراتية القديمة والحديثة، وتناول قضايا مهمة في المجتمع الخليجي، وأظهر أيضا التطور الذي حدث في الإمارات والاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة، ووضع المسلسل أربع شخصيات تراثية تناولت حواراتهن جميع مايدور في بيوتنا حقا، فعكس صورة حقيقية لمجتمع الإمارات.

كما أعجبني برنامج نجوم الخليج كثيرا لأنه أتاح الفرصة للمواهب الفنية الشابة للظهور وسلط الضوء عليها لإبراز مواهبها الفنية، وهذا يدل على التطور المستمر في اعلامنا نحو الأفضل، وأنا أيضا من أشد المعجبات ببرنامج كلام نواعم على «إم بي سي» وأتمنى أن يكون لدينا في تلفزيونات الإمارات برنامج مثله تقدمه مذيعات يتناولن القضايا التي تهم المرأة في مختلف القطاعات، فالمفروض أن يعكس الإعلام قضايا المجتمع ولا يخترعها.

تسليط الضوء على الإنجازات

وتؤكد زميلتها نورا العلياك أن الإعلام في الإمارات يعبر عن قضاياها المختلفة، بل يعبر عن قضايا المجتمع ككل، فتقول: لايترك الإعلام انجازا حققته المرأة الإماراتية إلا وسلط عليه الضوء، كما ينقل لنا جميع مشاركات المرأة سواء في الأحداث والأنشطة الثقافية والاجتماعية والمؤتمرات أو غيرها، ويبث صورة حقيقية لمجتمع الإمارات سواء من خلال البرامج أو الأخبار أو الدراما التلفزيونية أو التحقيقات والحوارات التي تجري في الصحف أو المجلات، لذا أرى أن الإعلام بكل أشكاله حقق نجاحا كبيرا في اظهار صورة حقيقية للمجتمع.

وتفخر ريم ناصر العتيبة ـ كلية دراسات دولية وعلوم اجتماعية ـ بالإعلام الإماراتي وتراه حقق انجازات كثيرة وتطورا ملموسا خلال السنوات القليلة الماضية، فتقول: لقد أصبح للإعلام دور فعال في حياتنا بتناوله قضايانا ومشاكلنا وهمومنا اليومية من خلال الصحف والإذاعات والتلفزيون، كذلك له دور كبير في ابراز التطور الكبير والنهضة التي نعيشها حاليا، وعكس صورتنا الى العالم الخارجي بشكل حضاري ومتطور ويبعث على الاحترام، ويحسب له تركيزه على دور المرأة وأهميته في المجتمع.

أما فاطمة المطوع من كلية الإعلام فتتحدث بمنظور مختلف، حيث ترى حتمية أن يعكس الإعلام صورة الفتاة الإماراتية من خلال عملها كمذيعة أو كمقدمة برامج أو كصحافية وغيرها من التخصصات في هذا المجال، ولن يكون للإعلام هوية وطنية إلا بظهور أبنائه على الشاشة والعمل خلفها كمخرجين ومعدين ومصورين وفي كافة الأقسام الفنية.

ومع هذا لا ننكر أن إعلامنا تطور بشكل كبير واصبح يواكب الدول الأكثر تقدما من حيث التقنيات وغيرها، ويجب علينا ألا ننظر إليه بطريقة سلبية، بل علينا أن نساهم في وضع اقتراحات لبرامج تهمنا كشباب أو كمواطنيين إذا وجدنا أن هناك تقصيرا في ناحية ما.

مواضيع ضعيفة ونماذج سلبية

وتؤكد وجدان المطيري من كلية الدراسات الدولية أن معظم المواضيع التي تطرح ضعيفة ولا تناقش قضايا مهمة، فتقول: لا أذكر برنامجا واحدا أحرص على مشاهدته في التلفزيون.

كذلك الدراما الإماراتية بعيدة عن واقعنا، والنماذج التي تتناولها متطرفة في سلبيتها أو مثاليتها، ولا وسط بين الاثنين، وإن كنت أتابع الصحف لوجود بعض الموضوعات الجيدة فيها، الا أنني لا أقرأ المجلات نهائيا لأنها فقدت مصداقيتها.

خاصة المجلات النسائية التي مازالت تخاطب امرأة الزمن الماضي ونسيت أن المرأة العصرية تختلف من حيث التعليم والثقافة والعمل، فمازالت عناوين موضوعاتها تافهة ومملة. على سبيل المثال 10 نصائح للسعادة الزوجية.

10 نصائح للمحافظة على زوجك، و10 نصائح للحفاظ على شعرك طويلا منسدلا. مواضيع سخيفة ومكررة، هذه المجلات النسائية لا تزال تعيش في دائرة مفرغة تدور فيها حول نفسها.

وتشاركها الرأي حمدة القبيسي من كلية الإعلام قائلة: رغم التطور التقني الذي يشهده الإعلام في الدولة ورغم سقف الحرية المتاح له، إلا أنه لم تجذبني قناة واحدة ببرامج حوارية تعتمد على استضافة مسؤولين كبار ومناقشتهم في قضايا مهمة بحرية مطلقة.

وهذا ما يجعلني أهجر تلك القنوات، ولكن أسجل أعجابي بقناة «سما دبي» من حيث الشكل والمضمون، فهي واجهة الشباب الإعلاميين الإماراتيين، وأجدها فعلا تعبر عن واقع شبابنا.

وتعتب عفراء الظاهري، بقسم الفنون والتصميم، على كل وسائل الإعلام مؤكدة أنها لاتظهر الصورة الحقيقية لمجتمع الإمارات بل وتتبنى قضايا وهمية وبصورة أقرب إلى المبالغة والتهويل وتقول: يجب تركيز الضوء على مشاركات المرأة ودورها الفعال في مواقع العمل ومنحها مساحة أكبر.

وأخص وسائل الإعلام المرئية لأنها الأكثر تأثيرا على المتلقي، فلا يوجد عندنا مثلا في تلفزيون ابوظبي برامج تتبنى المواهب الشابة في مختلف القطاعات، والدراما لا تعكس صورتنا الحقيقية بل مبنية على المبالغة.

على سبيل المثال الفتاة الإماراتية إما منحرفة مسجونة أو شديدة التزمت، وعن نفسي لا أثق مطلقا في القصص والتحقيقات المنشورة في المجلات النسائية وأعتقد أنها مفبركة من أجل جذب انتباه القراء فقط لاغير.

وتوافقها الرأي ريم جمعة قسم تكنولوجيا المعلومات قائلة: لا تعبر وسائل الإعلام عنا مطلقا، وكل ما يظهر فيها يعكس صورة المجتمع ليس حقيقيا وينطوي على مبالغات كثيرة.

أتمنى أن أرى مثلا مسلسلا يتناول قصص نساء ناجحات في الإمارات، وهن كثيرات جدا، ونماذج حقيقية تعد فخرا لنا، فهناك نساء قيادات عشن الزمن الصعب وتحدين بإرادة فولاذية كل الصعاب وتعلمن ونلن أعلى الشهادات وخرجن للعمل وتبوأن أعلى المناصب. الا يستحق هؤلاء أن نسلط عليهن الضوء كنماذج حقيقية لبنت الإمارات؟

===============================




===============================




منشور في جريدة البيان

٠٦‏/٠٧‏/٢٠٠٨

نوال الحوسني دكتوراه في تخفيض استهلاك الطاقة داخل السجون


الرائد الدكتور نوال خليفة الحوسني نائب مدير إدارة تخطيط الموارد البشرية واحدة من النساء اللاتي منحتهن شرطة أبوظبي فرصة أكمال دراستهن، والحصول علي الدكتوراه من جامعة نيو كاسيل في المملكة المتحدة، بشرط أن تكون الرسالة عن موضوع يخص الشرطة، فتبلورت في ذهنها فكرة كيفية تخفيض معدل أستهلاك الطاقة في السجون، من منطلق ان هذه المنشآت تكلف الدولة الكثير من المال.

فكان تصميم واجهات مباني السجون وأعادة التأهيل عنوان رسالة الدكتوراه التي توصلت فيها الى تخفيض معدل أستهلاك الطاقة في السجن بنسبة 14%. - عصرية تناسب الاسلام: وتناولت رسالة نوال أبنة خورفكان آثار ومزايا العناصر المعمارية لتصميم واجهات مباني السجون على جهود وتأهيل النزلاء، وأثبتت من خلالها تماثل النظريات العصرية لمعاملة السجناء واساليب تأهيلهم، وقواعد ومعايير الشريعة الاسلامية، وهدفت الرسالة الى تقديم أقتراحات لحلول معمارية لمباني المنشآت الأصلاحية والعقابية مبنية على فهم عميق لمباديء الاستدامة في تصميم هذا النوع المعقد من المباني.

كذلك وضعت الدكتورة نوال عدة أعتبارات، وهي ألا يقتصر الأمر على عقوبة المخطيء بالسجن، بل يجب أستثماره كمورد بشري، وقامت بعمل تصميم مبنى للسجون في الإمارات، ووضعت في الأعتبار كيفية تصميمه بطريقة مثالية على الوجهات، من حيث أبعاد النوافذ، نوعية الزجاج، أبعاد الغرف، وكان التكنيك الذي أستخدمته هو تغيير مواصفات الحوائط بالعازل الحراري، وكذلك الزجاج وغيرها من المواد التي تعطي تبادلا حراريا قليلا للمبنى، وتطرقت لأنواع الأنشطة التي يمارسها السجين، حيث يمكنه التنقل في المبني في أوقات معينة لتوفير أستهلاك الطاقة.

تفوق منذ الطفولة

نهلة الحوسني أمينة مختبر أحدي المدارس الثانوية للبنات في خور فكان والأخت الصغرى للدكتورة نوال تقول: ربما لأنها كانت الأولي في ترتيب الأبناء اعتادت تحمل المسؤولية منذ الصغر، كان لنا كبنات غرفة واحدة ولنوال بمفردها غرفتها الخاصة حتى تستطيع القراءة والأستذكار، كان من المستحيل أن نراها دون كتاب في يدها، ولم نعرف نوال إلا متفوقة في دراستها، وقد شجعها والدي لتكون في الصدارة.

كذلك لعبت والدتي دورا كبيرا في دفعنا إلى تحصيل العلم، أتذكر ونحن أطفال عندما كان يقابل نوال أي صعوبات في المواد الدراسية، كانت أمي تدفعها إلي مجلس أبي لعل أحدا من الموجودين يستطيع مساعدتها، وبدأ الخطاب يطلبون يدها وهي في المدرسة الإعدادية، وكانت والدتي مثل أي أم ترغب في زواجها إلا أن نوال كانت ترفض لأن لديها هدف أكبر وهو أكمال تعليمها، ورفض والدي عريسا أشترط عليها العمل في مجالات محددة، لأقتناع والدي برغبة نوال.

ومنذ الصغر تمتعت نوال بشخصية قيادية، كانت دقيقة ومنظمة في جميع أفعالها، أتذكر ونحن صغار كنا بعد عودتنا من المدرسة نخلع زينا ونرتدي أية ملابس ونسرع لتناول طعامنا، أما نوال فكانت تعود وتعلق زيها المدرسي وترتدي الملابس المناسبة وتصفف شعرها في هدوء وكأنها في انتظار ضيوفا قادمين.

حسن الاستقبال

وتضيف نهلة الحوسني: نعتمد عليها كثيرا في العائلة، فلا يمكن أن نتخذ قرارا أو نشتري أشياء من دون مشورة نوال، وهي حنونة جدا تحرص على التواصل مع كل أفراد العائلة ولكبار السن مكانة خاصة لديها، تحرص على زيارتهم ومنحهم الهدايا لإدخال البهجة إلى نفوسهم، ورغم إنشغالها الدائم فهي لا تنسى أية مناسبة أو أي طلب من العائلة.

ولنوال طريقة جميلة في حسن استقبال من يأتيها فجأة دون موعد مسبق، لذلك يطلب أولادنا عدم أخبارها بموعد قدومنا إليها من خور فكان إلى أبوظبي حتى يستمتعون بالفرحة التي يجدونها في استقبالها لهم، وهي كثيرة الاهتمام بأولادنا وتحرص على منحهم الهدايا وتتذكرهم بالحلوى دائما، كما إنها تشتري لنا كتب كيفية التعامل مع الأطفال لنتعلم منها.

وتواصل نهلة الحوسني: أما أكثر ما يغضب نوال فهو اللامبالاة في أي شيء، ورغم قوة شخصيتها إلا أنها تبكي بشدة عندما يخص الموقف الوالدين، وتفرح كالأطفال عندما نزورها من دون موعد.

مثال يحتذى به

الرائد مهندس أمين عيسى العوضي نائب مدير أدارة المشاريع الهندسية يقول: أعرف الدكتورة نوال منذ 12 سنة تقريبا كزملاء في نفس الإدارة، وهي طموحة ولديها أهداف تسعى لتحقيقها. نشيطة في عملها ودقيقة ومرتبة في تقاريرها. تتمتع بأحترام وتقدير رؤسائها ومرؤوسيها، حتى أنها عندما أنتقلت إلى ادارة التخطيط والموارد البشرية أقاموا لها حفلا، وبحق فقد كسبتها الإدارة الجديدة وخسرناها نحن.

وللدكتورة نوال موقف معي لا يمكن أن أنساه. كانت في أمريكا ورغبت رأيها في بحث يخصني، فاتصلت بها هاتفيا، وطلبت مني إرسال البحث علي الأيميل، وفعلت وخلال وجودها في الترانزيت قامت بقراءة البحث وأرسلته لي ثانية بعد مراجعته وأضافة بعد التعديلات عليه. وأنا أفتخر بها كنموذج يجب أن يحتذى به من قبل بنات وشباب الإمارات.

الملازم أول مهندس سميرة الجابري في إدارة هندسة المشاريع قسم التصميم تقول عنها: كانت مديرتي. وجدتها معطاءة جادة. منظمة جدا في عملها، وطموحة بشكل كبير، ودائمة السعي والعمل بجد واجتهاد من اجل تحقيق هذا الطموح، ودائمة على تشجيعنا على تطوير العمل، ومن المواقف التي لا أنساها لها عرضها مساعدتي في رسالة الماجيستير سواء بالشرح أو المتابعة.

ملتزمة ومتواضعة

ويقول الملازم أول مهندس فيصل القحطاني من إدراه المشاريع الهندسية في شرطة أبو ظبي: لم تكن تتعامل معنا كمسؤولة وموقع سلطة، وإنما كأخت وصديقة، فهي طيبة جدا ومحبوبة من الجميع، ومتعاونة وتسعى لمساعدة الآخرين بأقصى ما لديها، ومجتهدة في العمل. استطاعت الحصول علي الدكتوراه في عدد أقل من السنوات المفترضة، وكانت أول المهندسات اللواتي عملن في هذا القسم، أما الآن فقد تزايد عدد المهندسات وأصبحن خمسا.

وتقول عنها الملازم شما المهيري رئيس قسم تدريب وتأهيل الشرطة النسائية: عندما التحقت بالدورة العسكرية في بداية عملها في الشرطة، وجدتها ملتزمة جدا ومسؤولة ودمثة الخلق وطيبة، ترغب في معرفة كل شيء يتعلق بالعسكرية، وكانت متفوقة أيضا، وبعد مرور السنوات وحصولها على الدكتوراه وعودتها للعمل ثانية في مكانة ومسؤولية أكبر، ظلت، وهذا ليس رأيي وحدي بل رأي الآخرين أيضا، محافظة على صفاتها الجميلة كما هي، لم نرها متكبرة أو مغرورة، بل متواضعة إلى أقصى درجة، وهذا أجمل ما يميز الدكتورة نوال.

إضاءة

سيرة ذاتية

حصلت الرائد الدكتور نوال الحوسني على بكالوريوس الهندسة المعمارية من جامعة الإمارات عام 1992، وعملت في أحد المكاتب الاستشارية، ومعيدة في الجامعة، وأستقر بها الحال في الادارة العامة لشرطة أبوظبي قسم هندسة المشاريع، ومن الشرطة أنتلقت الى جامعة نيوكاسيل في بريطانيا لدراسة الماجيستير، واستطاعت اختصار الزمن ونيل الدكتوراه عام 2002 في 3 سنوات فقط، وعادت لتعمل رئيسة لقسم التصميم في ادارة المشاريع الهندسية، ثم نائب مدير تخطيط الموارد البشرية في شرطة أبوظبي، ونالت العديد من الميداليات التقديرية وشهادات التكريم.

============================


منشور في جريدة البيان