٠٦‏/٠٦‏/٢٠٠٨

أميرة الشيباني شاهدت معاناة الستينات والقفز إلى عصر الوفرة المادية

نشأت أميرة الشيباني في أسرة مكونة من خمسة أولاد وثلاث بنات، لأب هو محمد شريف الشيباني شاعر ومؤرخ، له العديد من الدواوين الشعرية والكتب التاريخية عن دول الخليج العربية وقبائلها.

تقول أميرة: عاصرت أيام الشدة والمعاناة في الستينات ثم شهدت الانتقال إلى عصر الطفرة النفطية والخير الوفير، وتأثرت بوالدتي كثيرا لأنها نموذج لأمهات الماضي اللواتي صبرن على شظف العيش وعملن لخدمة عائلاتهن دون تبرم أو ملل، لم يكن لديها خدم ولا أجهزة حديثة تعينها على الأمور المنزلية.وكانت تفعل كل شيء بنفسها من التنظيف والطهي ورعاية الأبناء، أتذكر أنها كانت تطهو على (الجوله) وهو موقد من الغاز للطبخ، وتغسل الملابس بيدها، ورغم ذلك كانت مؤمنة بقيمة العلم وتدفعنا جميعا للدراسة انطلاقا من إيمانها بأنه الذي سيوصلنا إلى بر الأمان، وهي ووالدي لم يفرقا أبدا بيننا كأولاد وبنات.

كان أهل أبوظبي جميعا يعيشون في منطقة قريبة من قصر الحصن، في بيوت بعضها من الطابوق (الحجر)، والأغلبية من العشيش (سعف النخيل) وكانت البيوت جميعا من طابق واحد وليس كما هي الآن أبراج تناطح السحاب، وكنا نعرف بعضنا، والجار يهتم بأمور جاره ويراه يوميا، وفي رمضان نتبادل الهريس والحلويات، ويفطر الرجال معا والنساء معا. مازلت أتذكر (بوطبيلة) المسحراتي وهو يدور على المنازل لإيقاظنا للسحور في رمضان، وكنا بنات وأولادا نسير خلفه فرحين.وكان الرجال يعملون في الغوص وصيد الأسماك، والنساء كانت تستخدم سعف النخيل في صناعة بعض الأشياء اليدوية المستخدمة في المنزل، كأغطية الطعام والمهفات والفرش، والسدو وغيرها، كما تقوم ببيعها للأسر وهكذا كانت تسير الحياة. طقس حار وبيوت عريش

كان بيتنا، وهو بيت للعائلة الكبيرة، مكونا من مجلسين وحمام وعدد كبير من غرف النوم، وحوش واسع في وسط البيت، ويظلل (اليوان) جزءا كبيرا على امتداد الحوش، وهو عبارة عن سقف خارج قليلا عن سقف المنزل وتحمله عواميد فيشكل مظلة نحتمي بها من الشمس، أما أرض البيت فهي من الأسمنت، وكنا نفترش الحصير تحت تلك المظلة ونجلس عليها ونستقبل الجيران ونشرب الشاي وهكذا.وتواصل أميرة الشيباني: كان الطقس حارا فلم تكن لدينا تلك الحدائق ولا الأشجار التي اهتم بها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد فيما بعد، والذي حول الصحراء إلى واحة غناء، وساهمت الخضرة بشكل كبير في تحسين الطقس.

ورغم شدة الحرارة قديما إلا أننا اعتدنا عليها، وبعض البيوت اعتمدت على البراجيل في بنائها تغلبا على حرارة الجو، ولم يكن لدينا كهرباء بل اعتمدنا على المصابيح التي تضاء بالكيروسين، إلا أن حياتنا تغيرت تماما بعد دخول الكهرباء إلى بيوتنا، فبدأنا في استخدام المصابيح الكهربائية والمكيفات والبرادات لحفظ الطعام.
وتقول الشيباني: كانت الطرق غير ممهدة، وكنا نعاني من صعوبة التنقل، ونشتري احتياجاتنا من السوق القديم، وهو عبارة عن دكاكين صغيرة على شكل صناديق يبيع فيها الهنود الأقمشة والملابس الجاهزة البسيطة جدا، واعتمدنا كلية على بائعي الليلام الذين يمرون بالبيوت حاملين «بقشة» كبيرة فيها ملابس وأغطية للسراير وغيرها، كذلك كان يمر على البيوت بائعي السمبوسة والأيس كريم وغيرهم.
ومن يمرض كان أمامه أحد خيارين، إما العلاج الشعبي مثل الحجامة والكي، أو يذهب إلى العيادة الصحية الوحيدة (دلما) وكانت عيادة متواضعة جدا، والعلاج فيها بالمجان، وبعد الاتحاد تطورت الخدمات الصحية، وتم بناء المستشفي الكبير المتعدد الأقسام لجميع أنواع العلاجات حتى الولادة، ثم أصبح لدينا مستشفي الكورنيش المتخصص في الولادة فقط ومن قبل كانت النساء تلد في البيت بمساعدة «القابلة» ونساء العائلة، وبعد وجود وزارة للصحة تطورت الخدمات الطبية وتوالت المستشفيات والعيادات، وأصبح لدى الناس توعية بأهمية التطعيمات.
تلاميذ برواتب شهرية
درست في مدرسة أم عمار مرحلة الابتدائي وحتى حصولي على الثانوية العامة، وهي المدرسة الوحيدة للبنات آنذاك، وكانوا يعطوننا في المدارس 200 درهم كراتب شهري ويزداد سنويا، ويصرفون لنا وجبات غذائية، ويمنحونا الزي المدرسي والأحذية.
وكانت المدرسات من مصر وفلسطين والبحرين، في البداية كنا لا نفهم اللهجة المصرية والفلسطينية، وكانت المدرسات يحاولن تبسيط الأمر لنا ويسألن ما نقوله بلهجتنا حول بعض الأشياء والمسميات، ولكن بعد دخول التلفزيون اعتدنا على اللهجة المصرية وفهمناها من خلال الأفلام والمسلسلات، ثم بدأت الجاليات العربية تأتي للعمل والعيش معنا، وهكذا بدأنا نتعرف ونعتاد على جميع اللهجات العربية.
وتضيف الشيباني: عندما دخل التلفزيون لم تكن لأبوظبي قناة، فشاهدنا الكويت والسعودية بإرسال مشوش في بعض الأحيان، واعتمدنا على الأريال الذي كنا نحركه بأيدينا حتى يستطع التقاط الإرسال، وليس كما «الستلايت» الآن الذي نتحكم فيه بالريموت كونترول لنستحضر جميع محطات العالم.
وعندما أنشئ تلفزيون أبوظبي اشتركت في برامج الأطفال من خلال مدرستي سميرة بلطجي التي أصبحت مدرسة فيما بعد، واهتممت كثيرا بمشاهدة الكارتون، بينما اهتم الشباب بمتابعة الأفلام العربية وأفلام الكاوبوي وكانت ألأف
لام المصرية القديمة جميلة وذات معنى، بينما شغف الكبار بمشاهدة برامج التراث وشعراء القبائل.
وتؤكد الشيباني أن دخول الكهرباء إلى البيوت تسبب في نقلة حضارية كبيرة فتقول: أصبح والدي يحضر كميات من اللحوم ونحفظها في الفريزر بدلا من شرائها يوما بيوم، وأصبحنا نشرب المياه الباردة بعد أن كنا نشتري مكعبات من الثلج لتبريد المياه التي كنا نأخذها معنا في (المطارة) لنشرب منها في المدرسة، وحفظنا المأكولات في الثلاجة وتغيرت حياتنا بالمراوح والمكيفات والأجهزة الكهربائية.
ثقة بالنفس وعدم مسؤولية
والعيد زمان رغم بساطته إلا أنه كان جميلا مفرحا بالملابس الجديدة البسيطة جدا، والعيدية، وتزاور العائلات، واللعب أمام المنازل بلعبات شعبية، أما الآن فقد تغيرت الأوضاع وأصبحت الملابس الجديدة بالنسبة لأولادنا يمكن شراؤها في أي وقت، بل واتسعت وكثرت الأماكن الترفيهية التي يذهبون إليها بشكل مستمر سواء كان في العيد أو أيام العطلات.
أما عن الفرق بين الأجيال السابقة والحالية فتقول الشيباني: تغير الجيل وأصبح أكثر وعيا. لم يعد يطيع دون أن يناقش ويفهم ويقتنع، كنت أطيع أوامر والداي دون مناقشة حتى لو كنت أتألم وغير راضية.
لم أكن أستطع الإفصاح عن رأيي، لكن الجيل الحالي أكثر ثقة في نفسه.إلا أنه يفتقد تحمل المسؤولية والهدف، فكل هدف أولاد العصر الحالي كيف يبدلون سياراتهم، وكيف ينفقون المال، وأتذكر أن مصروفي كان أربع أنات يعني ما يعادل 25 فلسا، الآن اذا أعطيت ابنك مصروفا ينظر إليه ويعده ويعترض على قلته.
أحيانا كان أهلنا يرفضون إعطاءنا المصروف بحجة أننا نأخذ في المدرسة وجبات غذائية، وكنا جيلا يعرف قيمة كل ما في يده.
أما عن عملي السابق فقد عملت على مدى 26 عاما في مجال الخدمة الاجتماعية، والتي بدأت في مركز تأهيل المعاقين التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية منذ عام 1982، فقد تطورت الخدمات في هذا المجال بشكل كبير وأصبحت الدولة تولي اهتماما ورعاية فائقة لتلك الفئة بعد إهمالهم، حيث كنا نسبح عكس التيار.
ولم يكن الضوء مسلطا عليهم، لكن تطورت الأمور بدعم الدولة ومؤسساتها. ثم انتقلت إلى مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وشؤون القصر، وكان حصولي على جائزة ووسام أبوظبي للعمل والعطاء في دورتها الأولي فخر لي لأنه تقدير كبير من الشيوخ والحكومة.
إضاءة
تخرجت أميرة الشيباني من كلية الآداب في جامعة الأمارات قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية عام 1982، وفي نفس العام افتتح في أبوظبي مركز المعاقين التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
والذي تدرجت في العمل فيه من رئيسة قسم إلى نائب مدير، ثم مسؤولة رئيس قسم المعاقين في مراكز المعاقين في الدولة، وبعد 13 عاما انتقلت للعمل في مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وشؤون القصر كرئيسة لشعبة البحث الميداني والمكتبي، حتى أحيلت للتقاعد هذا العام، وفي عام 2005 كانت أول امرأة تحصل على جائزة ووسام أبوظبي للعمل والعطاء في دورتها الأولى بتكريم من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.


==============================================
==============================================
منقول عن جريدة البيان الإماراتية

ليست هناك تعليقات: