١٣‏/٠٨‏/٢٠٠٨

هبوط اضطراري


وهي طفلة كانت تتابع بشغف الطائرات المحلقة في السماء وتحلم أن تكون من هؤلاء الركاب الذين يستقلون الطائرات،وتحققت الأمنية عندما تزوجت وسافرت مع زوجها لقضاء شهر العسل في بلد أوربي، يومها شعرت ببعض الارتباك خففه عنها زوجها الذي علمها كيف تربط حزام الأمان وتشده على خصرها، وكيف تجعل المقعد في وضع قائم في حالة الصعود والهبوط، وكيف تنتبه لتعليمات السلامة.

وتكررت سفراتها فيما بعد وكان السفر بالطائرة متعة خاصة جدا بالنسبة لها،بل وتفضل دائما مقعد النافذة حتى تتمكن من رؤية صعود وهبوط الطائرة، ورؤية معالم المدن التي تزورها.فلم تكن أبدا تهتم بحوادث الطائرات التي تراها من حين إلى آخر على شاشات التلفاز،وتعتبر كل ما يحدث قضاء وقدرا لا حيلة للبشر فيه.

ثم تغيرت تلك المشاعر إلى أحاسيس مختلطة بين الخوف والتردد، بل وتركت نفسها فريسة سهلة لاكتئاب مؤذ يداهمها كلما قررت السفر بالطائرة،بل وتبدأ معاناتها قبل موعد السفر بشهر تقريبا،حاولت أن تفهم معنى التغير الذي حدث لها وفكرت مليا في الأسباب التي تجعلها تصل إلى مرحلة التشاؤم والهلع من ركوب الطائرات.

وبررت لنفسها ذلك بعدة أسباب فربما خوفها من أن تلقي حتفها في الجو أن تترك أولادها دون أم ترعاهم وتأخذ بيدهم حتى يستطيعوا مواجهة الحياة،أو ربما كلما تقدم بها العمر كلما ازدادت تشبثاً بالحياة،أو لأنها لا تريد أن تنتهي حياتها بقصة تشبه أفلام الأكشن الأميركية، أو بقصة درامية تتناقلها وكالات الأنباء وصفحات الجرائد والفضائيات.

واليوم سافرت بصحبة زميلتها في مهمة رسمية،ورغم أن سفرها مع أحد تعرفه يهون عليها الوقت لأنها غالبا تقضيه في الثرثرة وسرد الحكايات مع الطرف الآخر منذ وقت إقلاع الطائرة حتى هبوطها بسلام إلا أنها لم تكن ترتاح لتلك السفرة،وهاجمها شعور غريب بأن شيئاً سيحدث، وأثناء الاقلاع قرأت دعاء السفر أكثر من مرة.

وظلت تنظر بقلق لعلامات ربط الأحزمة، وبعد أن انتهت من التهام الغداء فجأة انطلقت الصفارة التي تشير إلى ربط الأحزمة بشكل هيستيري، ثم أعلن المذياع الداخلي عن ضرورة ربط الأحزمة لأن الطائرة تهبط،وعلى جميع الركاب البقاء في مقاعدهم وإبقاءها قائمة، وهرع المضيفون والمضيفات بشكل يبعث على القلق لأخذ أماكنهم جلوسا على مقاعدهم،ونظر الناس في الطائرة لبعضهم لعلهم يجدوا ما يطمئنهم في الوجوه التي حولهم.

ولكن هيهات فقد أصيب الجميع بالوجوم وبدأت تنظر من نافذة ووجدت الطائرة تهبط إلى الأسفل حقيقة، تملكها الرعب وقالت بصوت مسموع (أتاك الموت يا تارك الصلاة)، وبدأت في ترديد بعض الأدعية خاصة دعاء سيدنا يونس في بطن الحوت (لا إله ألا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وضجت الطائرة بالاهتزازات والمطبات الهوائية وكأنها سيارة تسير في شارع غير ممهد ومليء بالحفر والصخور.

نظرت إلى زميلتها فوجدتها غارقة في النوم وكانت قبل ذلك بدقائق تؤكد لها أنها لا تستطيع النوم أثناء سفرها بالطائرة حتى لو كانت متعبة وتظل مستيقظة حتى تهبط الطائرة إلى أرض المطار، فتابعت بإصرار الإكثار من الدعاء (الله أكبر وسبحان الله)،ووجدت أن الأمر يزداد سوءاً، فنبهت زميلتها لتشاركها ما يحدث، وأخبرتها أنهم أعلنوا عن هبوط للطائرة.

فسألتها زميلتها: هل تعرفين كيفية استخدام (سترة النجاة الموجودة أسفل المقعد؟)، أجابتها بالنفي وردت عليها ساخرة (لم يحدث واستعملته من قبل)، فردت زميلتها (تلك مشكلة حقيقية، ومن المفروض أن ننتبه للتعليمات فيما بعد)، وشعرت بالضيق من البرود الذي بدت عليه تلك الزميلة فردت عليها بعصبية:هذا إذا نجونا من تلك المرة.

وظلت الطائرة تتأرجح يمنة ويسرة،تهبط وتعود إلى الارتفاع ثانية، وبعد حوالي نصف ساعة من القلق والاضطراب أعلن المضيف عن ضرورة الإبقاء على ربط الأحزمة وبقاء المقاعد في وضع قائم لأن الطائرة تقترب من المطار، فارتفعت أصوات الركاب بالشكر لله سبحانه وتعالى.وبدأت الطائرة في الهبوط التدريجي إلى أرض المطار،ونظرت إلى المدينة من أعلى وشاهدت المباني والشوارع وقد اقتربت منها، وكلما هم الطيار في الهبوط صعد ثانية.

وهكذا لمدة تجاوزت الوقت الذي كان من المفترض أن تهبط فيه الطائرة، وكلما فرح الركاب باقتراب الطائرة من أرض المطار ضاع سرورهم ثانية لعدم حدوث ما يتمنونه، وارتفعت دقات قلبها وألجمها الخوف وأخذت تردد الشهادتين، وتكثر من الاستغفار.

وتطلب من الله عز وجل أن تمر تلك الرحلة على خير. وأخيرا هبطت الطائرة، وامتلأت الوجوه بالسعادة، ونظرت من النافذة فوجدت كما غير اعتيادي لسيارات الإسعاف، عندها عرفت أن الطائرة كانت تعاني من عطل، وقد أنقذتها العناية الإلهية.
================================

ليست هناك تعليقات: