١٧‏/٠٢‏/٢٠٠٩

وضحة المهيري: المباني الخضراء مستقبل المعمار



سيدة الأعمال وضحة بن زيتون المهيري هي نموذج رائع لبنت الإمارات التي لم يعد يرضيها انتظار المعاش الحكومي الذي تتقاضاه كل شهر، بل تيقنت بنظرتها الثاقبة أن الحياة مراحل يجب أن يتطور فيها الإنسان رجلاً كان أو امرأة، فهي لم تتوقف عند الوظيفة الحكومية كمهندسة في دائرة الأشغال في أبوظبي، فقد اكتشفت أنها تمتلك طاقات وإبداعات لم تستغل بعد وأن طموحاتها اكبر من وضعها الذي ارتضت به.

واشتعل ذهنها بخوض مجال «البزنس» الذي يتناسب مع تخصصها الدراسي كمهندسة معمارية، وبعد تفكير عميق في اختيار الوقت المناسب لإقامة المشروع، وبعد دراسة متأنية للأخذ بأسباب النجاح استطاعت أن تنشئ شركتها الخاصة «رواد الخليج للاستشارات الهندسية» في أبوظبي، وبجانب مشروعها الخاص وعملها الحكومي ودراستها للماجستير استطاعت أيضاً أن تكون زوجة ناجحة توازن بين عملها وحياتها العائلية.تقول المهيري: تخرجت من كلية الهندسة جامعة الإمارات عام 2000م، والتحقت بعد التخرج مباشرة للعمل كمهندسة في دائرة الأشغال في أبوظبي، وبعد مرور 3 سنوات تقريبا وجدت أن بداخلي طاقة كبيرة للإبداع، فأنا أبغض الروتين والملل، وفكرت كثيرا في أن يكون لي مشروع خاص يتناسب مع عملي كمهندسة معمارية، إلا أن دخول السوق والعمل فيه ليس أمرا سهلا .

كما يعتقد البعض، فالموضوع ليس مجرد مكان تقام فيه شركة ويعمل به عدد من الموظفين فقط، بل لابد من عمل دراسة جدوى للسوق وما ينقصه والوقت المناسب لإقامة المشروع، وتكاليفه والأرباح التي يمكن أن يجنيها بالنسبة لرأس المال، واحتمالات الخسارة والمخاطرة التي يمكن أن تقابل المشروع وكيفية تفاديها؟.وتيقنت أنه لابد ان يكون لي مشروعي الخاص ولكن بعد اختيار المشروع الصحيح، والبدء في الوقت المناسب وتملك مقومات النجاح حتى أتفادي الوقوع في الخطأ والوصول إلى الفشل.وأصبح دخول عالم البزنس الفيلم الذي أشاهده في مخيلتي يوميا، ومن فلسفتي في الحياة «لا تنتظر أن تحدث الأشياء بل أصنعها أنت»، وبدأت أبحث وأنقب وأضع سيرتي الذاتية على النت، حتى أتت لي الفرصة بالتقاء رجل الأعمال عبدالله لوتاه الذي يمتلك مجموعة شركات للبناء ومستلزماته وكان يريد مهندسات معماريات للعمل معه، وفي نفس اليوم الذي تقدمت له سألني: هل ترغبين في إنشاء مكتب للاستشارات الهندسية وتكوني شريكة لمجموعتنا؟
عندئذ لم أصدق نفسي، وعندما حاولت الاستفسار لماذا أختارني لتلك المهمة بعد المقابلات التي قام بها مع أربع مهندسات قبلي، ولماذا تم اختياري دونهن، أجاب أنه وجد فيّ شيئين شجعاه على هذا الموضع، أولاً إنني جادة جدا، ثانيا أنني أمتلك رؤية خاصة في هذا المشروع وأسعى جادة لتنفيذها.
كذلك فمجموعته تضم جميع الشركات التي تتكامل مع بعضها من أجل العمل في مجال المباني والمنشآت، وينقص المجموعة شركة للاستشارات الهندسية تقوم بالتصميم والتنسيق تتعامل مع مجموعة شركاته، لذلك فمشاريع المجموعة لها أولوية العمل، وبالفعل نفذت للمجموعة عدة مشاريع منها بنايات ومجمع سكني يضم فللاً وشققاً، ومن هنا بدأت أنطلاقتي وتوالت الأعمال فيما بعد.
عنق الزجاجة
وتضيف وضحه المهيري: وبالفعل بدأت تأسيس مشروعي في شهر 6 عام 2006م، بجانب عملي الحكومي، ودراستي للماجستير في علم الإدارة وكان لابد من الحصول عليه لإدارة مشروعي حيث أنني تعرفت على مجموعة من القواعد والمبادئ العلمية التي تهتم بالاستخدام الأمثل للموارد من قبل المؤسسات لتحقيق هدف المؤسسة بأقل وقت وجهد وكلفة ممكنة.
وكان علي أن أبذل مجهودا جبار من أجل الوقوف بالمشروع على أرضية ثابتة، وأن أحصل على الماجستير والذي أردت به تنمية مهاراتي في المحاسبة والإدارة من أجل إدارة مشروعي الخاص بعلم ومعرفة، وفي نفس الوقت علي أن أبذل مجهودا أيضا من أجل الحفاظ على عملي الحكومي لأن مشروعي مازال في البداية، وكانت تلك الفترة بالنسبة لي مثل عنق الزجاجة.
وبدأت انطلاقة العمل من مكتبي وكان عدد الموظفين اثنين فقط أنا ورسام، وبدأنا سويا عمل «سابقة الأعمال» حتى نتمكن من دخول مناقصات لبناء المنازل والمنشآت المختلفة حيث لا يمكن أن يتم قبولنا إلا إذا كان لدينا مشاريع قمنا بتنفيذها فعليا، حتى يثق بنا العملاء.
والحقيقة أنني نلت تشجيعا كبيرا من الديوان، حيث تقدمت لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والذي يدعم مشاريع المواطنين بعدة أفكار وفزت بالفعل بعمل تصميم لمسجدين أحدهما يتسع ل500 مصلٍ والآخر يتسع 1200 مصلٍ، كما قدمت دراسة لمدينة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تتضمن احتياجات المدينة من المساجد للوقت الحالي وفيما بعد بما يتناسب مع الكثافة السكانية مستقبليا.
وفزت بمناقصة في المجلس التنفيذي وكانت عن كيفية تصميم وحدة سكنية تبلغ مساحتها 300 متر، أربعة غرف وصالة ولا تزيد تكاليفها عن مليون ونصف درهم وهنا يكمن التحدي وبالفعل حيث استطعت تصميم الوحدة بمليون و15 ألف درهم فقط حتى إذا زادت الأسعار لا تتجاوز التكلفة الأولية لها، ثم صممت سكنا للعمال في حميم بتكلفة مقدارها 150 مليون درهم.
طموح كبير
وعن تجربتها التي انتقلت فيها من العمل الحكومي إلى البزنس قالت: كما قلت أمتلك طموحا كبيرا، ولدي قدرة على العطاء والإبداع، وعندما قررت دراسة الهندسة المعمارية بشكل خاص، كان بسبب أن فيها تحدياً وخيالاً، فأنت تصمم وتبني في الخيال، وبعد ذلك يصبح مشروعك حقيقة على أرض الواقع، وفي اعتقادي أنه التخصص الوحيد الذي يجمع بين الهندسة والعمارة والفن.
وهذا جعلني أرغب في تحويل طاقتي إلى إبداع واقعي، وقررت ألا أكتفي بالوظيفة الحكومية لأنها لن تحقق لي ما أريده، فالشغل واحد وثابت حيث أقوم بمهمة واحدة وهي متابعة الاستشاريين، وطوال عمري لي تفكير مختلف في الحياة حتى أن البعض يقول لي «مخك متركب شمال»، وقبل أن أؤسس مكتبي لم تكن الرواتب الحكومية قد زادت كما هو الآن، فوجدت أيضا أن هذا المعاش لن يحقق لي ما أريده، والحاجة أم الاختراع، وفي البزنس إرضاء للطموح وتحقيق الاستقرار، كما أنني لا أحب التقيد بنظام ثابت يوميا وحضور وانصراف وعمل محدد في تخصص بنائي معين، والحياة في الحياة محطات يجب أن يتنقل فيها الإنسان للأفضل دائما،ويكتسب خبرات ومهارات جديدة في مجالا عديدة من الحياة وهذا لا يتوفر مع ثبات العمل الحكومي.
حلم المستقبل
وترغب المهيري في التخصص في مشاريع المباني الخضراء «جرين بلدينج» والتي توفر الطاقة وكما تقول: هذا هو التوجه العام للحكومة في الوقت الحالي وهي إنشاء مبانٍ جميلة وعصرية مع مراعاة بيئتنا الصحراوية، وتحول طاقة الشمس الى طاقة كهربائية للإضاءة والتسخين والتبريد التكييف واعتماد الهندسة المعمارية البيئية الحديثة والالتزام بالاستخدام المتوازن للطاقة ورفع مستوى كفاءتها وفعاليتها، وهي تعتمد على استعمال مواد بناء جديدة وتصميم المباني بطريقة مبتكرة تراعي مبدأ احترام الطبيعة.
من حيث التحكم بالمناخ داخل المبني من خلال خلايا أو كبسولات رقيقة من مواد البناء تغير عملها مع التقلب في درجات الحرارة فتمتص السخونة في الجو الحار وتطلقها في الشتاء، فرؤية المصمم للمستقبل يجب ان تشمل مراعاة واضحة للمبادئ البيئية والحضارية والتراثية والطبيعية أيضاً، عدا عن استخدام الموارد المتوافرة محلياً لملاقاة الاحتياجات المحلية وأسلوب عيش المجتمع نفسه.
الجدير ذكره أن المواصفات القياسية التي تصدرها المنظمة الدولية للتقييس «الأيزو» ترفع من فعالية الطاقة المستخدمة ومستوى الأداء البيئي من خلال مواد البناء المستخدمة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من البيوت الخضراء، وتشكل أساساً هاماً يستند عليه المصممون والمهندسون المعماريون والمهندسون والملاك ومسؤولو المرافق والهيئات الحكومية، في تطوير المباني المستدامة، وقد قدمت خطة عمل لمركز سرت التابع لكليات التقنية تتضمن دراسة عن تسويق المباني الخضراء بسعر اقتصادي معقول.
وتضيف وضحة المهيري: أعيش حاليا صراعا كبيرا حيث أنني لابد أن أكون على مستوى المسئولية في شغلي الحكومي كمهندسة في بلدية أبوظبي في دائرة تخطيط المدن، وبين مكتبي الذي بدأت مشاريعه في الانطلاق ولا بد أن أتفرغ بشكل كامل له، إلا أنني لا أستطيع أن أترك عملي الحكومي في الوقت الراهن لأتمكن من تحقيق دخل ثابت.
والحقيقة أن أهلي يشجعونني كثيرا أن أجتهد في مجال البزنس ولولا تشجيع زوجي لي ما استطعت ان أقف على قدمي في سوق الأعمال، فهو متفهم لطبيعتي الطموحة ويرغب في أن أحقق ذاتي وهذا يجعلني يشعرني بالأمان من ناحية بيتي وأولادي، فهو دائما يحثني على التقدم ولم يحاول يوما التقليل مما أفعله ولم يحاول أن يثبط من عزيمتي، بل يقف ورائي بكل قوة وهذا يمنحني أيضا مزيدا من الثقة بالنفس، ودائما أراه فخورا بنجاحي، ولم أشعر به يوما يغار من عملي فهو أيضا يعمل مهندسا كيميائيا في إحدى شركات البترول.
وتضع المهيري لنفسها اهدافا مستقبلية وتقول: احدد أهدافي والمدة التي يمكني فيها تحقيق تلك الأهداف من خلال خطط مدتها سنوية أو نصف سنوية، وفي كل شهر أحاول معرفة ماذا فعلت وما الذي استطعت إنجازه بالفعل، وبعد أن تمر السنة أقوم بوضع خطة لعامين، ولدي أهداف قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى.












ليست هناك تعليقات: