٠٤‏/٠٥‏/٢٠٠٩

صورة المرأة في الإعلام سلبية ونمطية ورمز للإثارة -2


مع ثورة الاتصالات التي نعيشها زاد تأثير الإعلام المرئي بشكل كبير بسبب سهولة التقاط ما يبث عبر العالم بأكمله، وهذا بالطبع أثر على مضمون ومحتوى الفضائيات العربية وأصبح المواطن العربي أسيرا لما يبثه الفضاء المفتوح الذي أثر بدوره ايضا على الإعلام المقروء، ومن هنا نناقش في حلقتنا الثانية بعض أساتذة الإعلام حول التداعيات التي تمر بها وسائل الإعلام، وما وصلت اليه بشأن صورة المرأة العربية بشكل خاص.

يقول الأستاذ الدكتور محمد عايش، أستاذ الإعلام في جامعة الشارقة وعضو لجنة صياغة الإستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية: شكلت قضية الإعلام والمرأة واحدة من القضايا المثيرة للجدل في المجتمعات العربية والعالمية خلال العقود الخمسة الماضية في ضوء تنامي الدور السلبي لوسائل الإعلام في تقديم صور لا تتناسب مع كرامة المرأة ودورها وإنجازاتها.وذلك من خلال ما تقدمه تلك الوسائل من محتويات ترفيهية وتجارية تعزز الصورة السلبية للمرأة. وقد أنجزت عشرات الدراسات في المنطقة العربية، حيث وجدت في معظمها أن المرأة تظهر في وسائل الإعلام، وخاصة التلفزيون، في أطر تقليدية وأدوار ثانوية وغير قيادية، مثلما تظهر في الإعلانات التجارية كرمز للجنس والمتعة، وكموضوع يمكن امتلاكه من خلال ربط صورتها بصور السلع والخدمات التي يتم التسويق لها.

وعقدت عدة مؤتمرات وندوات تناولت صورة المرأة في وسائل الإعلام، وكان من أبرزها منتدى المرأة العربية والإعلام الذي عقد في فبراير 2003 تحت رعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية ورئيسة الاتحاد النسائي العام في دولة الإمارات، تلت ذلك ورش عمل وندوات تناولت مدى تطبيق الدول العربية لإعلان أبوظبي حول المرأة والإعلام. وكان من أبرزها الورش الخاصة بمنتديات المرأة العربية التي ناقشت خلال المؤتمر الأول لمنظمة المرأة العربية في البحرين في نوفمبر 2006، قضايا متنوعة تتعلق بالمرأة، منها قضية الإعلام حيث عرض وفد دولة الإمارات ورقة عمل تتعلق بمدى ما حققته الدول العربية من إنجازات في تطبيق بنود إعلان أبوظبي حول المرأة والإعلان.

غير أن الاهتمام الكبير بموضوع المرأة والإعلام تجلى في أنصع صوره في نوفمبر 2008 الماضي في المؤتمر الثاني لمنظمة المرأة العربية الذي عقد في أبوظبي برئاسة سمو الشيخة فاطمة .حيث انبثق عن هذا المؤتمر إطلاق الإستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية التي تجسد مبادرة ريادية من سموها نحو تمكين المرأة العربية في جميع مجالات الحياة من خلال الاستثمار المبدع لوسائل الإعلام، حيث تضمنت الإستراتيجية ثلاثة مشاريع شملت الوكالة الإعلامية للمرأة العربية، والمرصد الإعلامي للمرأة العربية، وبرنامج الاحتراف الإعلامي. وتهدف هذه المشاريع إلى النهوض بالقدرات المهنية للمرأة الإعلامية العربية ورفع مستوى الوعي بإنجازات المرأة عبر وسائل الإعلام، وإعداد الدراسات والبحوث ومناقشتها حول هذه القضايا.
مؤتمر قطر
وفي المؤتمر الذي عقد ابريل الماضي في قطر، ونظم بالتعاون بين مؤسسة ريست لحوار الحضارات ومقرها في إيطاليا وجامعة نورثويستر في الدوحة بعنوان صورة المرأة العربية في الإعلام العربي والأوروبي واستضاف باحثين وإعلاميين من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبعض الدول العربية، تم مناقشة صورة المرأة العربية في صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية عربية وأجنبية .
حيث لاحظ الباحثون أن صورة المرأة في الإعلام العربي والغربي تتشارك في عدة خصائص سلبية مع وجود جوانب أكثر سلبية في الإعلام الغربي بسبب تبلور صورة المرأة في إطار الصور النمطية السلبية للإنسان العربي في الإعلام الغربي حيث ارتبطت بالتخلف والتعصب والجهل والتزمت الديني والتبعية للرجل.
رأي صدمة
الدكتورة ثريا احمد البدوي، الأستاذ المساعد في كلية الاتصال الجماهيري في جامعة الشارقة تقول: يجب أن نشير الى أن الإمارات مجتمع محافظ ومتماسك مازال يتمسك بعاداته وتقاليده وهويته، ولدى المرأة الإماراتية وعي كبير وثقافة في كافة مناحي الحياة، لذلك لابد أن تنعكس تلك الصورة الحقيقية في كافة وسائل الإعلام، والحقيقة انني سألت الطالبات عن رأيهم في صورة المرأة في المسلسلات الخليجية وكان رأيهن صدمة لم أتوقعها.
حيث أجبن بأن صورتها في الدراما تخالف الواقع تماما، بل وتعكس صورة سلبية للمرأة التي تعتمد كلية على الخادمة في كل شؤون المنزل وتربية الأولاد الذين تتركهم لها بسبب اهتمامها بالعمل فقط، كما أن الدراما تعرض نماذج مشوهة للمرأة الخليجية ومبالغا فيها بشكل مسيء مقارنة مع ما حققته فعليا من إنجازات عظيمة، وأنها إمرأة نكدية حزينة وتبكي طوال الوقت، لذلك فهن يهجرن الدراما المحلية الى الدراما المصرية والسورية.
والحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن المرأة الخليجية لا تنفصل عن المرأة العربية فهما متشابهتان مع بعض الفروقات البسيطة، لذلك فالصورة السلبية أراها تنعكس على الجميع، ورغم كثرة الإعلانات التي تستخدم المرأة كسلعة وجسد لجذب الانتباه، علينا ايضا أن نعترف بأن الإعلانات الخليجية إعلانات محترمة وتقدم المرأة كنموذج واقعي يبتعد عن الإثارة والابتذال.
ويجب أن أذكر هنا أن قناة تلفزيون الشارقة من أفضل القنوات التي تقدم مضامين جادة دينية واجتماعية وسياسية، ومن أحسن القنوات التي تدعم صورة المرأة الإيجابية، وهناك فضائيات تسيء للمرأة بل وتساهم المرأة نفسها في إظهار صورتها بصورة سلبية مشوهة، فعندما نقرأ على شريط الرسائل المتحرك في فضائية ما امرأة تبعث برسالة تريد فيها عريسا وبدلا أن تكتب أنها تقدر معنى الحياة الزوجية نجدها تقول (مطلقة ملفوفة القوام تقدر معنى السهر) فهذا كلام له ايحاءات ودلالات جنسية واضحة، وهنا تساهم المرأة في تشويه صورتها عن عمد وكأن مهمة الزوجة تنحصر في السهر والرقص والتسلية.
وعندما تتلاعب المذيعة بالمشاهدين وهي تلقي عليهم فزورة ويرد عليها أحد المتصلين بكلمة تخدش الحياء العام، فهذا أيضا إسفاف وخروج عن الآداب العامة لم نعتد عليه من قبل، وهناك أيضا المذيعة التي ترقص وتمطر الجمهور بالقبلات فتلك أيضا تشوه صورة المرأة. والمرأة في التلفاز ليست هي تلك المرأة التي نشاهدها في بيوتنا. فهي ليست من أمتنا ولا ديننا ولا أفراد عائلتنا، حتى في طريقة كلامها ومخارج الألفاظ التي تنطق بها، ومما يدعو للأسف مساهمة المرأة في تشويه صورتها وتأكيد إظهارها بشكل سلبي مبتذل.
دور العالم الافتراضي
وهنا يجب أن اتطرق الى الإنترنت والعالم الافتراضي الذي يسيء أيضا بصورة غير محدودة لصورة المرأة، فالمرأة تعيش فيه واقعا غير واقعها وتفعل فيه ماتريد، وهذا يجعلها تفعل أشياء إباحية وهي تغطي وجهها ظنا منها أنه لا أحد يعرفها والحقيقة غير ذلك فإن الأمور إذا تجاوزت حدود الأخلاق والدين فإنه من السهولة الإيقاع بها من قبل أجهزة الأمن، وللأسف طالما أن الإعلام يسيطر عليه أصحاب رؤوس الأموال والملاك التجاريون لن ينصلح حاله، لأن الغالبية العظمي، وهنا أرفض التعميم، ينظرون الى المكسب بغض النظر عن أهمية ومضمون الرسالة الموجهة للجمهور، ومع تدعيات الأزمات المالية غالبا ما يلجأ التجار إلى تعويض الخسارة بأية طريقة.
وأول خطوة للإصلاح أن نبدأ بنقد الذات وتطويرها، وأعتقد أن ما وصلت اليه وسائل الإعلام في الوطن العربي يعود الى تقلص وتراجع دور الدولة على الإعلام مع الاتجاه الى تنامي دور القطاع الخاص، فتواجد دور الدولة مع القطاع الخاص يمنح هذا القطاع توازنا مطلوبا في حياتنا، لهذا لابد من تدخل الدولة بوضع القوانين المنظمة لما يبث في وسائل الإعلام ومعاقبة من يخرج عن القوانين، والاهتمام بالمضامين الراقية التي تساهم في تنمية المجتمع، وايجاد التوازن بين المضامين الجادة وبين التي تهدف للترفيه والتسلية، ويجب تسليط الضوء على النماذج الإيجابية الحقيقية في المجتمع حتى تكون قدوة ومثالا يحتذى به للأجيال الحالية.
التحول من 1990
الإعلامي والمستشار الصحافي الدكتور ابراهيم الحوسني يؤكد أن هناك تغيرات اصابت الإعلام العربي من عام 1990م بعد دخول القوات الدولية الى منطقة الخليح بعد حرب الكويت، حيث رأت الأطراف الغربية في موضوع المرأة وحريتها أحد الموضوعات الأساسية لطرح التغيير المطلوب في دول الخليج ضمن موضوعات آخرى كالديمقراطية وغيرها، وقد آتى أوكله في المرحلة الآخيرة بأن شاهدنا دخولا كبيرا للمرأة في الحياة البرلمانية في الإمارات والكويت، وأيضا في جوانب البزنس كسيدات أعمال، وهذا انعكس بدوره على الإعلام في كافة وسائله وخاصة الإعلام المقروء.
فلم يعد الإعلام صاحب القرار. بل وأصبح طرف آخر يضع أجنداته، وهو المالك والشركات، وهنا بات الربح هو الغالب. لهذا يجب أن تكون هناك قوانين منظمة حتى لا يتعارض المنشور مع الأمن الإجتماعي، للأسف أصبح الإعلام يرى صورة المرأة متعة أكثر منها عقل، ولكن تستثنى الصحف من ذلك، فهي أقل حدة من معظم المجلات النسائية التي تركز على الأزياء والجسد على حساب المرأة المفكرة والمرأة العالمة أو الرياضية التي تقدمها في حدود ضيقة.
ولأن المجتمع لم يرب على أنه قارئ وبالتالي فالاتجاه الآن نحو تسطيح الموضوعات والمعلومات، وغالبا توجيه الرسالة الإعلامية للشريحة الأكبر من الجمهور وهو الشباب، الذين يمثلون الجزء الأكبر من تعداد السكان والأكثر تأثرا بالرسالة الإعلامية التي تهتم بالتسلية والترفيه، ثم تأتي شريحة منتصف العمر والرسائل الموجهة إليهم قليلة جدا، ثم كبار السن وهم الفئة الأقل تعدادا وأهمية من وسائل الإعلام.











ليست هناك تعليقات: