١٨‏/٠٥‏/٢٠٠٩

الشباب الجامعي يدرك مكونات الهوية الوطنية

«الفضائيات الإماراتية والهوية الوطنية للشباب الجامعي الإماراتي تعزيز أم تهديد؟».. كان عنوان المحاضرة التي قدمتها الدكتورة ثريا أحمد البدوي الأستاذ المساعد في قسم الاتصال الجماهيري في جامعة الشارقة.

وحاولت من خلال الدراسة اختبار علاقة المضمون الإعلامي الغربي المبثوث عبر الفضائيات الإماراتية بالهوية الوطنية للشباب الإماراتي الجامعي من خلال طرح سؤال رئيسي مؤداه: هل يؤدي الاعتماد على المضمون الغربي إلى تدعيم الهوية الوطنية أم إلى إضعافها؟. وقد خلصت الدراسة إلى وجود إدراك إيجابي من قبل الشباب للشخصية الإماراتية، وإلى تمسك متوسط بالهوية الوطنية ويتم ذلك بعيدا عن الفضائيات الإماراتية، حيث تؤثر عوامل التنشئة الاجتماعية في هذا السياق من خلال عمليات تربوية مرتبطة بأجيال تورث القيم والعادات والتقاليد. وحول موضوع الدراسة «غير المنشورة» دار حوارنا مع د.البدوي التي قالت: أشارت الدراسة إلى أنه في حالة وجود دور للفضائيات الإماراتية، فإنه يتسم بالسلبية حيث تهدد تمسك الشباب بهويتهم من خلال عرض مضامين مخالفة لواقع المجتمع الإماراتي، وتكمن الخطورة في المضمون الخليجي بصورة أكبر من المضمون الغربي، حيث يعرض الواقع الخليجي على أنه النموذج السائد في المجتمع مما يكسبه مصداقية لدى الشباب الذين يسعون إلى تبنيه وتطبيقه في حياتهم العملية. وقد أظهرت الدراسة أن المضامين الأميركية -رغم انبهار الشباب وتأثر البعض بها- قد تخلق حالة من «التأثير المرتد»، حيث يزداد التمسك ببعض مكونات الهوية مع زيادة التعرض للمضامين الغربية.

التأثر بالمضامين الغربية: وأشارت نتائج الدراسة إلى تأثر هوية الشباب الإماراتي بالمضامين الغربية المنتشرة عبر الفضائيات الإماراتية. ويعود ذلك إلى العديد من العوامل المتعلقة بالخلل في التركيبة السكانية غير المتجانسة على كافة المستويات، وسيطرة الوافدين والأجانب على المؤسسات التعليمية والإعلامية بالدولة، وانتشار المضامين المستوردة الأجنبية بالوسائل الإعلامية المحلية التي لا تعبر عن القيم الأصيلة بالوطن وتكون في اتجاه معاكس للتراث الشعبي. ويدعم من ذلك ضعف المنتج الإعلامي المحلي في ظل أجواء فوضى إعلامية منتشرة بالمجتمع الإماراتي. وخلاصة القول: أظهر الشباب الجامعي إيجابية في التعامل مع المنتجات الإعلامية الأميركية التي دفعت به نحو مرحلة التفاعل والتهجين بين قيمه وقيم الآخر. في المقابل، أعرب المثقفون عن تبعية الشباب لتلك المضامين بفعل عوامل ذاتية من جهة ومجتمعية من جهة أخرى.
وتشير الدكتورة ثريا البدوي إلى مجتمع الدراسة المسحية وهو من الشباب الجامعي الإماراتي الملتحق بجامعة الشارقة وبالجامعة الأميركية بالشارقة، أما مجتمع الدراسة الكيفية فقد تمثل في المواطنين من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الشارقة والإمارات، باعتبارهم من أشكال القوى الفكرية والعلمية التي لها حضور وتأثير داخل المجتمع.
ويعود اختيار النخبة الجامعية بصفة خاصة إلى أنهم يمثلون مصدراً للتنوير والإشعاع الثقافي، فهم فئة مؤثرة ومسؤولة عن إعداد أجيال أخرى، كما تزداد متابعتهم للقضايا والأحداث بحكم وضعهم الفكري والاجتماعي والاقتصادي أيضاً. وتؤكد د.البدوي أن الدراسة أشارت إلى وجود اتجاه ايجابي بين الشباب إزاء الفضائيات الإماراتية.
حيث بلغت نسبتهم 56 من إجمالي مجتمع الدراسة في حين كان الاتجاه متوسطا لدى 39 من الشباب. في هذا السياق، أظهر 5,86 من الذي أجري عليهم البحث أن الفضائيات الإماراتية تعزز عموما الهوية العربية، من خلال تعزيزها للانتماء المجتمعي 81، وتعميقها لأصول اللغة العربية 53 ودعمها للقيم والموروثات التقليدية 50 .
ويمكن القول إن الفضائيات الإماراتية تقرب المواطن من مجتمعه وقضاياه في حين تسهم في تعزيز الهوية الثقافية بصورة متوسطة خاصة فيما يتعلق بالمكون اللغوي والقيمي. يفسر ذلك في إطار قلة الرقابة والاهتمام بالصالح الخاص، حيث تهتم الفضائيات بالبرامج الترفيهية التي تعود عليها بالفائدة.
هذا بالإضافة إلى عدم وجود «سياسة» في التليفزيون للنهوض بالثقافة في المجتمع.أما عن معدل إدراك الشباب الإماراتي لمعنى كلمة «هوية» تقول الدكتورة البدوي: إن عدداً كبيراً من الشباب الجامعي مجتمع الدراسة بلغت نسبته 96 يؤكد إيمانه بأن كل مجتمع لابد وأن يتمتع بشخصية ذاتية خاصة به تميزه عن غيره من المجتمعات.
وبالتطبيق على المجتمع الإماراتي، يرى 5,93 من الشباب أن الشخصية الإماراتية أصيلة من أصالة الشيخ زايد رحمه الله، وتتمتع بعدة مزايا إيجابية مثل الاتزان والتعاون والأمانة والكرم والتقدم والتطور. وقد جاءت سمة الاتزان في المرتبة الأولى 5,53 والكرم في المرتبة الثانية 14 والتقدم والتطور في المرتبة الثالثة 5,9، ويلاحظ أنها في معظمها سمات تميز المواطن الإماراتي كفرد ينتمي إلى المجتمع. وتواصل د. البدوي: وقد امتدت آثار الخلل في التركيبة السكانية ؟ تبعا لمجتمع الدراسة- إلى استراتيجيات التعليم والإعلام.
وإذا كانت التركيبة السكانية تعد من أهم الأسباب التي تؤثر على هوية المجتمع الإماراتي، فإن للمثقف الديني رأي آخر، فبالنسبة له تختلف الإمارات في محافظتها على الهوية الوطنية تبعا لدرجة اختلاطها بالمدنية الحديثة وقد تفقد جزءاً من هويتها وذلك بفقدانها للغة العربية التي تتمتع بها الدولة حيث يتواجد الناس الذين يتكلمون باللغة الإنجليزية على مستوى المؤسسات الأهلية والحكومية والتعليمية، أما الإمارات التي لم تختلط بالمدنية الحديثة بشكل كبير، فما زالت محافظة على هويتها.
من جهة أخرى، يعزو بعض المثقفين إشكالية هوية المجتمع الإماراتي إلى الأجواء المفتوحة من فضائيات عربية وأجنبية. بالنسبة لهم، تبث الفضائيات مواد إعلامية في اتجاه معاكس للتراث الشعبي، مما يوضح ارتباط مفهوم الهوية لدى مثقفي الدراسة بالبعد الثقافي والقيمي.
تهميش البرامج الوطنية
أما عن دور الفضائيات الإماراتية في الهوية الوطنية للشباب فقد تفاوتت رؤى المثقفين في هذا الشأن، فمنهم من أشار إلى دورها المباشر في تهديد الهوية الوطنية. بينما رأى آخرون أن دورها يختلف باختلاف المراحل الزمنية «فترة السبعينيات والإتحاد الوطني والفترة الحالية» أو باختلاف القناة التي تبث المضامين الإعلامية المختلفة، إلا أنهم قد اتفقوا جميعا على أن انتشار المضامين المستوردة، خاصة الغربية، مع تهميش البرامج الوطنية من شأنه ضرب القيم وتحطيم فكرة الإتحاد الوطني.
وعلى الرغم من تأكيد على تعزيز الفضائيات الإماراتية للهوية بتركيزها على التراث وحملها لمضامين عربية، يرى آخرون بأنها تشكل عاملاً مباشراً في تهديد الهوية، بفعل الكوادر غير الوطنية من الوافدين والمضامين التي لا تعكس هوية المجتمع المحلي ولا تجد فيها وجه المواطن.
إضافة إلى معاناة الإعلام الإماراتي الذي يتعامل بمنطق القطاع الخاص في ظل احتكاره من قبل الحكومة بشكل كامل، فالتعامل بمنطق القطاع الخاص يقتضى وجود قدرة على منافسة الإعلام الفضائي الخاص، ونزوع الفضائيات الإماراتية نحو المنافسة يؤثر على ندرة المنتج المحلي والبرامج التي تعني بالشأن الداخلي والقضايا التي تهم المواطن، لمصلحة برامج ومضامين مستنسخة أو غربية تملأ الدورة البرامجية لجذب المشاهد ومنافسة الفضائيات الأخرى. فالفضائيات تقدم برامج لا تخدم المجتمع أو الشاب. وبالتالي، ينشأ الشباب بعيدا عن القضايا الهامة وينغمسوا في ملذات الحياة بالأغاني، بعيدا عن الهوية الوطنية. مما يعنى أن هناك تغريب وتخريب للهوية الوطنية.
توعية الشباب بمعنى وقيمة الهوية.. ضرورة
تؤكد الدكتورة البدوي أن الشباب الجامعي الإماراتي يشعر أن المجتمع الإماراتي يجب أن تكون له شخصية تميزه، كما أنه يشعر أن أهم ما يميز هذه الشخصية هو القيم والدين والحضارة العربية والثقافة، إلا أنه يعجز عن إدراك أن هذه المكونات في مجملها تشكل هوية المجتمع.
فالشباب يعرف أهمية وقيمة هذه العناصر ولكنه يفتقد إلى القدرة في تسميتها. إلا أنه ما يهمنا هو إدراك الشباب نفسه لهذه المكونات. فالتسمية من وجهة نظرنا تحتاج إلى برامج توعية وندوات توضح معنى وقيمة الهوية وتغرس في نفوس الشباب أهمية الحفاظ عليها من أجل تماسكها وهنا يقع العبء على قنوات التنشئة الاجتماعية بما فيها وسائل الإعلام لتعريف الشباب بهويته وزيادة إدراكه لها بما يزيد من تمسكه بها.
واتفق معظم مثقفو الدراسة على اختلاف توجهاتهم الفكرية، على أن الهوية الوطنية للمجتمع الإماراتي تعني في المقام الأول، المحافظة بل والتمسك بالعادات والتقاليد والتراث الذي يميز المجتمع الإماراتي.
وهي قيم ترتبط بالولاء وتمثل المصلحة الوطنية في المجتمع، وذلك كما تعلموا في المراحل التعليمية المختلفة، والهوية هي الولاء لله وللوطن وللرئيس، وتعني ارتباط الإنسان بالوطن الذي يعيش فيه، وبلغته، ودينه، وأعرافه، وتقاليده، واقتصاده وإرثه التاريخي أي الالتزام بمجموعة القيم التي تنظم العلاقات بين الأفراد.
وجغرافيا، أشاروا على أن الهوية ترتبط بالإحساس بالانتماء لمساحة جغرافية تسمى «وطن». فهي «عنوان الإنسان، اسمه ومكانه وانتمائه»، ومن جهة أخرى، ارتبط مفهوم الهوية لدى المثقف اللغوي بعناصر المواطنة، حيث يربط بين مفهومه للهوية ومدى قدرة المواطن على التحكم في بلده.
وفي هذا السياق، أظهر معظم مثقفو الدراسة خوفا من وجود مؤشرات تؤثر في الهوية، أو أنها تكاد تفقد في بعض الإمارات دون غيرها، وذلك رغم تأكيدهم على أن دولة الإمارات «تكافح من أجل الحفاظ على هويتها، وتبقي على التراث وتهتم باللغة والتنشئة الدينية».
واستندت النخبة الأكاديمية في تفسير مواقفها على عدة أسباب، ارتبط البعض منها بالتركيبة السكانية المتعددة وغير المتجانسة على المستوى الثقافي والديني والعرقي، مما يؤثر على الشعور بالولاء للوطن ومن ثم، قد تتأثر الهوية الإماراتية بهذه الفئات التي تترمز بشخصية بلدها وتحاول أن توجه الإمارات بفكرها.
في هذا الإطار، يشار إلى أن خطورة العمالة الوافدة التي تشكل أكثر من 95 من المجتمع الإماراتي، تتمثل في القيم والثقافة والمعتقدات التي يحملونها، حيث يشكل الوافدون القادمون من بيئات ثقافية مختلفة نوعا من الضغط على القيم المتوارثة الأصيلة في المجتمع الإماراتي، كقيمة الوفاء، وحب الوطن، والانتماء للغة العربية، وللقومية العربية، والصدق، وإغاثة الملهوف. حتى علاقة المرأة بالرجل أصبح فيها كثير من الشروخ. وكذلك ظاهرة انفصال الأبناء عن الآباء.

ليست هناك تعليقات: