٠٧‏/٠٥‏/٢٠٠٩

صورة المرأة في الإعلام سلبية ونمطية ورمز للإثارة - 5






ضمن أوراق العمل التي قدمت إلى منتدى المرأة والإعلام العربي العام الماضي قدمت عفاف ابراهيم المري ورقة بعنوان «المرأة في الإعلانات» في اطار بحث اجرته عام 2004 أكدت فيها أنه في عصرنا الحاضر باتت قضية المرأة تشكل واحدة من القضايا التي تتعرض للنقاش في المحافل الثقافية والنسوية والاجتماعية على المستويات العربية والعالمية في ضوء المتغيرات التي تعصف بالعالم منذ بداية التسعينيات، والتي أطلق عليها تغييرات العولمة.

ولم تكن النقاشات المتعلقة بالمرأة أكثر حدة وانتشاراً من تلك التي تناولتها في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وفي الوسائل التفاعلية المتمثلة في الإنترنت وغيرها، فوسائل الإعلام والاتصال سواء كانت التلفزيون أو الراديو أو الصحافة أو الإنترنت أو حتى المسرح والسينما تعد من أكثر الوسائل تأثيراً بين التي تستخدم في التسويق للأفكار، وفي تعبئة الرأي العام، والتأثير فيه وغرس القيم والمبادئ في المجتمع.

ونرى اليوم كيف أن الأفكار التي تتداولها وسائل الإعلام تعصف بذهن جمهور المتلقين بحيث تثير بينهم جدلا حادا حول الكثير من القضايا، فمنهم مؤيد تارة، ومعارض تارة أخرى لنفس الموضوع، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا من خلال استخدام وسائل الإعلام لأساليب متنوعة في الإقناع والتأثير وتسويق الأفكار.

وتطرقت الباحثة إلى العوامل التي تقف وراء استغلال المرأة في الإعلان وهو استغلال جسد المرأة كإغراء لشد الانتباه، من باب التشبه بالغرب، وتحريك نزعة الاستهلاك لدى المرأة الأخرى المتلقية للإعلان، وخاصة في منتجات التجميل، وتحريك نزعة الاستهلاك أيضاً لدى الرجل أيضا المتلقي للإعلان.

وتناولت تأثير الإعلانات التجارية وأضرارها مؤكدة على مقولة أن «التجارة تفسد الإعلام»، فالإعلانات ساهمت أولاً في تشويه صورة المرأة العربية بتقديم نماذج مشوهة عن المرأة، وأن الإعلانات التي تعج بها وسائل إعلامنا المختلفة ساهمت في قولبة صورة المرأة التي تحصرها كوسيلة وأداة دعاية تجارية للمواد الغذائية، أو مواد التجميل، وآخر صيحات الموضة وأفلام الإثارة التي قد يختلف تقبلها والتعامل معها من شريحة المرأة المتعلمة إلى المرأة الأمية .

حيث إن هذه الإعلانات توظف سياسة منح الأمية صفة الاستهلاكية دون أن تحفزها على أمور أخرى أهم، وبشكل عام، فإن الإعلانات تعزز نظرة «الدونية» للمرأة وتقدمها كمجرد شيء يتميز بقلة الأهمية، وكطرف تلتصق به الأخطاء التي تحدث وقدمها على أنها غانية ولعوب، تسلب ألباب الرجال وعقولهم بجمالها وزينتها، ولا همّ لديها إلا العناية بجمالها والانشغال بتوافه الأمور.

تحطيم بنية المجتمع

ولا شك أن استغلال جسد المرأة بهذه الطرق الرخيصة أسهم في تحطيم بنية وهيئة المجتمع الإسلامي، وذلك بإثارة الغرائز، ونشر الانحلال الأخلاقي، ونشر فكرة أن جسد المرأة وجد للتمتع به ليس إلا، وأن المرأة لا عقل لها ولا فكر ولا ثقافة، ولا دور لها في تأسيس الأجيال وإقامة المجتمعات، وسعى إلى تذويب شخصية المرأة المسلمة المتميزة ومسخها واقتلاعها من جذورها الإسلامية وأصالتها ومبادئها، وتهميش دورها.

وفي دراسة عيّنة من الإعلانات التجارية التي بثتها بعض الجرائد والمجلات ومحطات التلفزيون المحلية للتحليل النوعي بهدف التعرف على أنماط الصور الذهنية للمرأة والنماذج التي تظهر بها في الإعلانات، وجد أن المرأة قد قولبت صورتها في الإعلانات وقدمتها في عدد من النماذج، الأول «نموذج المرأة-التقليدية» كونها هي المسؤولة عن توفير الحاجيات الاستهلاكية الخاصة بالأسرة مثل مواد التنظيف والمواد الغذائية، وأكثر وسيلة إعلامية تعج بها أمثلة لهذا النوع هي «التلفزيون».

والثاني «نموذج المرأة - الجسد»، وهو ربط المرأة بدلالات الإغراء وقد يكون هذا أحد نتائج العولمة الاقتصادية والثقافية، حيث قامت الشركات بالترويج لسلعها بدعايات وإعلانات شبيهة بتلك التي روج لها في الغرب في بلداننا العربية ويلاحظ شيوع استخدام المرأة كجسد في الإعلان في الآونة الأخيرة عن السيارات العادية والرياضية، والمواد الصحية الخاصة بالرجال، والأدوات الرياضية، وغيرها. هنا نلاحظ أن المعلنين عادة ما يسعون إلى تكوين صورة ذهنية للمنتج ملتصقة بصور الإغراء والفتنة التي تنبعث من الأنثى المصاحبة للمنتج.

والثالث نموذج «المرأة - الشيء»، وتشييء المرأة Objectificatiَُ حيث لاحظ الباحثون أن الكثير من الإعلانات التلفزيونية، ومن خلال ربط صورة المرأة بصورة المنتج أو الخدمة هذا النموذج يقدم المرأة كمخلوق «شكل»، مجرد من إنسانيته ومشاعره وعواطفه وقدراته العقلية والذهنية.

والرابع «نموذج المرأة - السطحية»، حيث تقدم الإعلانات التجارية المقروءة والمرئية نموذج المرأة السطحية التي لا همّ لها إلا الموضة والأزياء ومواد التجميل، وتفتقر للطاقات العقلية والفكرية المتطورة التي تحول دون مشاركتها الجادة في الحياة العامة.

أما الضرر الثاني لتأثير الإعلانات التجارية فيتمثل في زرع وتعزيز نزعة الاستهلاك حيث إن الإعلانات التجارية لها جانب سلبي كبير على المستوى الاقتصادي للأسرة والمرأة، حيث تعزز هذه الإعلانات نزعة الاستهلاك على حساب الإنتاج والاهتمام بالأطفال وتطوير وتنمية أنفسهن في المجالات الثقافية والاجتماعية والعلمية، مما يهدد وضع الدولة بشكل عام ويضعها ضمن مصاف الدول المستهلكة لا الدول المنتجة.

قدوة سيئة للمراهقات

يكمن عنصر الضرر الثالث للإعلانات التجارية في تكوين قدوة سيئة للمراهقات، حيث تسهم في ترسيخ مفاهيم وممارسات في أوساط الفتيات تؤكد على الرؤية الذاتية غير السوية، فالفتاة التي تنشأ لترى في نفسها جسدا لإغراء الآخرين وجذبهم وشد انتباههم ستغدو أداة هدم وليس بناء في المجتمع، ويكتسب هذا الأمر أهمية كبرى حينما ندرك أن وسائل الإعلام باتت تمثل أكثر المؤسسات الاجتماعية تأثيراً.

حيث تنافس مؤسسة الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية في الاستحواذ على قلوب وعقول الشباب، كما تقوم الإعلانات على تقديم نموذج المرأة الغربية كقدوة في مظهرها، وخاصة عندما تظهر في الإعلانات نجمات هوليوود أو عارضات الأزياء أو حتى المطربات الأجنبيات للإعلان عن منتج ما بلبس يمس صميم الحشمة والحياء والشرف في الحركات والإيماءات التي أصبحت نموذجا يحتذى به بالنسبة لفتياتنا، وهي قيم لابد لنا من الاعتزاز بها والمحافظة عليها كمكونات رئيسية لهويتنا الثقافية.

كذلك تعد أغلفة المجلات نوعا من الدعاية والإعلان للمجلة نفسها، وللأسف توجد مجلات تصدر عن هيئات حكومية ورسمية، إلا أنها تضع على أغلفتها صورا لا ينبغي أن تضعها لأنها ستكون نماذج لفتياتنا اليوم، كغلاف ظهر ذات مرة لمجموعة فتيات يلبسن شورتات قصيرة جدا، أو صورة لفنانة عربية التقطت بشكل إغرائي جدا.

أما العنصر الرابع للضرر فيكمن في طمس المضامين والاهتمام بالقشور، حيث أصبحت الإعلانات التجارية وسيلة سهلة لتحويل الفكر العام عن الموضوعات الجوهرية التي تهم الأمة الإسلامية إلى التفكير بموضوعات تافهة سطحية وتنويمها.

وإن مخاطر الإعلانات هنا تتمثل في كونها تحول نظر المرأة - وغير المرأة - عن مسؤوليتها الحقيقية، فعلى المرأة مسؤولية تجاه نفسها بالالتزام بقواعد الدين وأخلاقياته، وعدم التبرج والسعي للتعليم الديني والدنيوي واختيار شريك لحياتها ذي خلق ودين. وتجاه أسرتها لصيانة الدين والعرض، وحسن معاشرة الزوج وحفظ غيبته، وحسن تربية الأولاد، ومسؤولية تدبير المنزل، وحسن الجوار، وحسن معاملة الخدم، وتجاه مجتمعها بطلب العلم الشرعي والدعوة وتنشئة جيل يسهم في خدمة المجتمع الإسلامي.

وأوضحت الباحثة بالتأكد من تطبيق القواعد والقوانيين المعمول بها ومتابعتها، والقيام بتأهيل العاملين على رقابة الإعلانات، وذلك بتوعيتهم بماهية سياسة الوزارة الموضوعة للحفاظ على الهوية الإسلامية، ويمكن لهذا أن يتم باستصدار قانون يضع مجموعة من ضوابط للإعلان التجاري يجري تطبيقه ضمن سلسة من الإجراءات تضمن تطبيق هذه الضوابط والقواعد.

وتطبيق مبدأ الاحتشام في الإعلان، مجانية التعليم إلى المرحلة، مراعاة المنهاج السليم المبني على القيم والمبادئ التي يجب أن تكون مغروسة في الفرد المسلم، توفير فرص العمل للمرأة تكون أكثر صيانة لكرامتها، وضع بدائل للمرأة بتوفير وتسهيل ارتياد الأندية الخاصة بالفتيات مثلا، الاهتمام بالجانب العاطفي لدى الفتاة المراهقة، فهي بحاجة للحب والحنان، وترسيخ بعض القيم كالحياء والبعد عن الخجل، وغرس قيمة الثقة بالنفس، وليس الجرأة المتبجحة.

ولابد من الاهتمام بالجانب الذهني والنفسي والروحي من خلال ملاحظة المشاكل النفسية التي تعاني منها المراهقة، ومصادقتها، والتشجيع على الانخراط في بعض الأعمال التطوعية مثل مجال ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، والاهتمام بالجانب الديني والأخلاقي: وذلك بالإرشاد والقدوة، والجلسات الأسبوعية في المنزل التي تخصص لمطالعة الكتب الدينية، أو المواقع الإسلامية الصحيحة، وأخيراً الاهتمام بالجانب الديني والأخلاقي من خلال نشر الوعي بأن المرأة يقع على عاتقها واجبات أكبر من الإعلانات، فعلى المرأة مسؤولية تجاه نفسها، وتجاه أسرتها، وتجاه مجتمعها.



ليست هناك تعليقات: