٢٧‏/١٢‏/٢٠٠٨

العلم.. السلاح الباقي




كانت في الثامنة عشرة من عمرها عندما التقت به لأول مرة مصادفة في شركة والدها، وقتها كانت لا تزال تدرس في الجامعة، تقرب منها وتودد إليها وصارحها بحبه ورغبته في الارتباط بها، ولأنها كانت آخر العنقود والمدللة لدى أبويها لم يستطع والدها رفض العريس الذي أصرت على الارتباط به، رغم عدم اقتناعه به، فلم يكن من وجهة نظر والدها العريس المناسب الذي يرضى به زوجا لابنته.
ولأن العريس لم يكن يمتلك المال الكافي لتقديم الشبكة وإقامة الفرح أو حتى تجهيز عش الزوجية فقد تكفل والدها بكل المصاريف، وكانت الأم تدفعه الى ذلك دفعا بحجة أنها الابنة الوحيدة، وأنها تريد أن تفرح بها وتراها عروسا في بيتها قبل أن تأتيها المنية.
تزوجته وكان موظفا بسيطا في شركة والدها، وقام الوالد بترقيته وإعطائه منصبا ورفع راتبه حتى يستطيع الإنفاق على بيته، ورغم ذلك كان يمد يده لها دائما مطالبا إياها بالذهاب إلى والدها لمساعدتها فالمعاش لا يكفي، ولأنها كانت تحبه كانت تفعل ما يريد. وكان والدها لا يبخل عليها بأية مصاريف تطلبها، وكان مبدؤه أنه طالما أن الله سبحانه وتعالى منحه المال فلماذا لا ينفقه على ابنته ويعينها على الحياة، ومرت أربع سنوات كاملة استسهل فيها الزوج الحياة مع زوجته التي كان يقودها مغمضة العينين منفذة لكلامه دون مناقشة أو تذمر.
تعثرت في دراستها الجامعية بعد أن أنجبت طفلا صغيرا، شغل معظم وقتها، لكن رسوبها المتكرر لم يعجب والديها اللذين آمنا دائما بأهمية تعليم المرأة وحصولها على شهادة جامعية تكون سندا وعونا لها في وقت الأزمات والحاجة، إلا أن زوجها أراد أن يشغلها عن دراستها ويثنيها عن عزمها للحصول على الشهادة مستهزئا، وكان كلما رآها تستذكر دروسها، يؤكد لها أن ما سترثه عن والدها بمليون شهادة من التي تنوي الحصول عليها.
بدأت تمله وتشعر بأنه زوج لا فائدة منه، فمعه لم تحقق شيئا يذكر، فلم يكن هو الرجل الذي تحمل مسؤوليات زوجته وابنه وبيته، ولم يكن هو الرجل ذا المكانة العملية التي نالها بكفاءته، ولكن ما وصل اليه كان بمساعدة والدها، ولم يكن أيضا هو الرجل الذي يدفعها كامرأة كي تحقق طموحها في نيل شهادتها العليا.
تيقنت أن والديها يريدان مصلحتها، فاهتمت بدراستها، واجتهدت ونالت شهادتها العليا، وطلبت من والدها أن تعمل معه في إدارة الشركة، وبالفعل بدأت تمارس مهام عملها، وتنقلت في كافة الأقسام لتنال الخبرة المناسبة قبل أن تتسلم منصبا إداريا، وقبل أن تنال مرادها مات والدها فجأة.
وبعد سنة من وفاة والدها، جاءها محاسب الشركة يخبرها أن الشركة ستفلس بسبب ديونها المتراكمة، هالها ما سمعت وحاولت أن تستفسر عن الأمر، فاكتشفت أن زوجها هو الذي أوصل الشركة الى الإفلاس بسبب سحبه لكل الأموال وكتابة شيكات باسم الشركة وغيره.
وفي النهاية أغلقت الشركة، وعندما طالبت زوجها برد أموالها طلقها وهرب تاركا لها طفلا وديونا متراكمة، تركت بلدها واتت الى الإمارات بحثا عن فرصة عمل وكانت شهادتها الدراسية عونا لها، ووفقها الله سبحانه وتعالى لتبدأ حياتها من جديد، وبعد عام تقدم لها أحد زملائها في العمل وله نفس ظروفها، مطلق ولديه طفل في نفس عمر ابنها، رفضته لأنها لا تريد ان تكرر تجربتها السابقة بزواج جديد فاشل، إلا أن والدتها أقنعتها بالعدول عن قرارها بعد إلحاح من هذا الزميل. تزوجته، ولم يكن أفضل حالا من الزوج الذي سبقه.

=================

ليست هناك تعليقات: