١٩‏/١٢‏/٢٠٠٨

بن يعروف .. بدوي يحمل التراث في وجدانه وشعره


يرفض محمد بن يعروف مقولة ان الماضي كان زمنا صعبا، بل يؤكد أنه عاش زمن الخير والنفوس الطيبة وبساطة المعيشة قائلا: كان الخير موجودا ،وكل واحد منا لديه مايكفيه ويستطيع العيش به، بل كانت الناس تتقاسم اللقمة سويا، ومن لديه يعطي لمن يحتاج عن طيب خاطر، فلم نكن في حاجة للكماليات من سيارات أو أجهزة كهربائية وغيرها، وكانت المرأة تتحمل كافة المسؤوليات التي تقع على عاتقها كزوجة وام ، بل و تساهم ايضا في الإنفاق على بيتها من الأعمال اليدوية البسيطة التي كانت تجيد صنعها وبيعها، وكان الرجال يعملون في الصيد والغوص أو الزراعة أو تربية ورعي الإبل والأغنام.

البدوي شبه عسكري... والبدوي رجل شبه عسكري فهو قوي يستطيع تحمل المتاعب والصعاب، ومدرب على ركوب الخيل والهجن والسلاح الأبيض، وكان الحضر في صدر الإسلام يرسلون اولادهم الى أهل البدو ليتعلموا منهم الخشونة والصبر والقدرة على التحمل والجلد، ونفس الصفات تمتلكها المرأة البدوية لكنها لم تكن تتعلم التعامل مع معدات الحرب وإن كان فيهن من يجدن ذلك الا أنهن لم يتعاملن بها. ولم نكن نعرف هذا الكم الهائل من الأمراض التي نسمع عنها اليوم، ومن يمرض بمرض لا نعرفه كان يموت الا ما كتب الله له من عمر، وكان الجدري هو أكثر الأمراض التي لا علاج لها عند البدو ، ومن يصاب به يتم وضعه في خيمة أو بيت شعر خاص به بعيدا عن الناس حتي لا ينتقل اليهم المرض، وهذا المكان يكون طيبا ونظيفا، بحيث يكون المريض مرتاحا فيه وبعيدا عن الروائح الكريهة ويظل هكذا لمدة اربعين يوما، ويقوم برعايته أحد الذين أصيبوا بالجدري سابقا، ولو لم يكن أحد أفراد عائلته قد اصيب بهذا المرض من قبل استعانوا بالآخرين ليقوموا بخدمته لعل الله سبحانه وتعالى يشفيه، ويقوم من يرعى المريض بالاهتمام به من حيث نقله من مكان الى آخر حيث سخونة او برودة الخيمة او بيت الشعر. ويواصل الشاعر محمد بن يعروف المنصوري حديثه قائلا: وكان البدو يعالجون أمراضهم ببعض الأعشاب مثل السنامكي والصبر والمر والحلتيت، وكان حليب الإبل وحده أهم دواء، الا أن معظم العلاجات كانت للتخفيف من أعراض المرض ولم تكن علاجا قاطعا للشفاء، واذا ساءت الأمور فإنهم يلجأون للحجامة والكي ، وايضا كانوا يعرفون كيفية تجبير الكسور.

تعليم الشباب العادات والتقاليد... وعن دوره كمدرب للتراث في نادي تراث الإمارات يقول: القي المحاضرات على الأجيال الجديدة من طلاب المدارس والجامعات لتبصيرهم بتراث الأجداد ،خاصة العادات والتقاليد العربية الأصيلة ، فالسواد الأعظم من الشباب يعرفونها جيدا بل ويحفظونها عن ظهر قلب الا أنهم يهملون بعضها، فمثلا أنا كشاعر ولدت في بيئة تحافظ على العادات والتقاليد لأنها مرتبطة بالكتاب والسنة النبوية، كإكرام الضيف ومدارة الجار، واحترام الصغير للكبير وغيرها من السلوكيات الحميدة التي حثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف، ولكن عندما تحول البدوي من السكن في بيت الشعر الى بيوت شيدت من الطابوق وعاش حياة التمدن تغيرت عليه الحياة والبيئة التي كان يعيش فيها، وأصبحت البيئة الجديدة لا تساعده على ممارسة جميع عاداته وتقاليده السابقة، وهنا غض النظر عن بعضها بسبب عدم توفر البيئة البدوية كإكرام الضيف والمحافظة على الجار وغيرها، فالبيئة البدوية تختلف بالطبع عن حياة الحضر .
وعندما قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتوطين البدو ، بنى لهم المساكن على مناهل المياه الخاصة بهم، وذلك لأنه عاش بين أهل البادية ، لذلك عمل على توطين القبائل في مراتعهم ، فبنى لهم المساكن والمدارس والمستشفيات والأسواق، ووفر لهم كل ما يمكن أن يحتاجونه من المدينة من خدمات، وهنا انتقل البدوي من حياة المعيشة البدوية الى السكن في منطقته ذاتها، ولكن في مدينة عصرية تتوفر فيها كافة سبل المعيشة المريحة، لذلك أصبحت الحياة الجديدة لا تساعد على ممارسة بعض العادات والتقاليد المتوارثة من الزمن السابق.
البدو أحبوا حياتهم الجديدة
ويواصل بن يعروف الناس أحبوا الرفاهية ووسائل الراحة ،الا أنها كلفتهم ماديا ،فقد أرادوا امتلاك السيارة كوسيلة انتقال عصرية ومريحة، ورغبوا في شراء أكثر من سيارة، وبدأوا في تغيير السيارات كل خمس سنوات، فأصبحت حياة البدوي مكلفة، حيث أنه في السابق كان يربي الفرس ليصبح حصانا، ويربي الجمال والنوق ويتنقل بها ويستفيد من لبنها ولحومها ويبيعها، ورغم وجودها معهم في العصر الحالى الا أنها لم تعد مناسبة للتطور الذي يعيش فيه.
كما أن البدو أحبوا حياتهم الجديدة وارتبطوا بتعليم اولادهم في المدارس،وارتبطوا بحياة المدينة واختلفوا عن الحياة في الصحراء والمرعى، حيث اصبحت لديهم بيوت وتعليم ووظائف وأموال.
نعم كانت الحياة زمان سهلة بسيطة دون تكلف،خالية من الهموم والغموم ، وحتى الديون كانت بسيطة وليست كالتي نسمع عنها اليوم من أرقام مبالغ فيها يقترضها الناس من البنوك، بل ويعجز بعضهم عن سدادها،فالأبل والغنم ماتزال موجودة الا أن الحياة البدوية القديمة لم تعد موجودة.
وكانت مجالس الكبار بمثابة مدارس للصغار الذين يحضرون مع آبائهم فيتعلمون من الآباء والأجداد السلوكيات الحسنة والصفات الحميدة والسلوك القويم من خلال القصص التي تحكى والدروس المستفادة منها.
في الماضي لم يكن لدينا أجندة توضح لنا أشهر السنة وكنا نعرف تغير الفصول من الطقس ودرجة الحرارة سواء كانت باردة أو حارة على أجسادنا، وكانت السنة مقسمة على أربعة فصول (الصيف، القيظ، الصفيري، الشتاء) ، ففي نهاية الشتاء يبدأ الزرع والثمار، وفي الصفيري يبدأ الاهتمام بالاعتناء بالصقور وتدريبها للقنص ، فلم يكن لدينا اللحم متوفرا في السوبر ماركت كما هو الآن ،والصيد بالصقور لا تزال هواية منتشرة حتى يومنا الحالي وذلك كتسلية ومن أجل الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء و الأجداد ،وهي تجربة لصقل صفات الرجال وشجاعتهم وصبرهم.
وكانت هناك أنواع عدة من الصقور منها الغالي والرخيص، ويصطاد الناس الصقور من الجبال ومن أطراف البحار ويجلبونها الى السوق ،ويشتريها من يرغب ثم يبدأ في تدريبها في بداية (الصفيري)، وكان الصقر لا يمرض كثيرا وإذا مرض فلا أطباء يداوونه مثل اليوم، ولكن يعالج ببعض العلاجات الشعبية التي يعرفها الجميع، وفي منتصف (الصفيري) يبدأ القنص حيث وجدت بكثرة في ذلك الوقت الطيور المهاجرة مثل الحباري وغيرها التي تأتينا من الأقطاب الباردة،وكانوا يصطادون على قدر الحاجة.
حيث لا توجد كهرباء ولا ثلاجات لحفظ اللحوم. وعندما يبدأ الشتاء ومدته ثلاثة أشهر يبدا التدرج في البرودة ثم يبدأ في منتصفه العد التنازلي فترتفع الحرارة حتى يبدأ الصيف، وهو متقلب يوم ساخن ويوم أقل سخونة، وفيه تبدا العواصف الرميلة والسموم الحارة ، حتى يبدأ القيظ فتستقر الأمور بالشمس الحارقة والرمضاء،ثم يأتي الشتاء وفيه البرد والمطر وينبت العشب.
===========================



ليست هناك تعليقات: