١٤‏/٠٤‏/٢٠٠٩

الطلاق يهدد الكيان الأسري واستقرار المجتمع - 3


الطلاق ظاهرة تقضي على استقرار الأسرة وتهدد امن وسلامة المجتمع، وتؤكد الدراسات المحلية والبحوث الميدانية أن نسب الطلاق وصلت الى 26%، وأن أعلى المعدلات في سن 20 ـ 30 وتصل إلى 42% من إجمالي عدد المطلقين، وأن معظم الحالات تمت في السنوات الأولى من عمر الزواج حيث بلغت 37%.

والإنسان يحتاج الى المشاعر والجنس لاستمرار حياته الأسرية ويحقق لنفسه وعائلته التوازن النفسي، فلاشك أن الجنس من أقوى غرائز الإنسان واعنفها، وإذا لم يشبعها فإنها تؤدي به الى كثير من الاضطرابات والمقلقات وتحول حياته الى جحيم، والزواج هو الوسيلة الشرعية لإشباعها. يقول الإمام الغزالي «النكاح بسبب دفع غائلة الشهوة مهم في الدين، فإن الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوى، جرت الى اقتحام الفواحش». وأشار إلى قول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: «إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وندرك اهمية الجنس في الحياة عندما نرى كثيرا من الزيجات انهارت لسبب بسيط وهو فشل الأزواج في إدراك مايعنيه الجنس بالنسبة لكل واحد منهما، فهو غريزة مهمة للزوجين يزيد من محبتهما لبعضهما، وكل شريك منهي عن رفض اشباع الاحتياجات الجنسية للطرف الآخر.
كذلك لا أحد ينكر الجانب العاطفي وأهمية التعبير عن المشاعر الجميلة بين الزوجين، فقد أجمع علماء الاجتماع والصحة النفسية والدين والتربية على وجود جفاف عاطفي بين كثير من الأزواج، حيث ان النساء اكثر تفهما للمشكلة وأكثر صراحة في التعبير عن مشاعرهن والعكس صحيح، وان معظم الزيجات تقوم على حب عظيم إلا انه تنقص الزوجان مهارات التعبير عن المشاعر، واوضحوا ان التخلص من الجفاف العاطفي يقضي على 60% من المشاكل الأسرية.
إخفاء الأسباب
الدكتور علي شراب أستاذ علم النفس والعلاقات الإنسانية يؤكد ان العلاقة الجنسية في الزواج من أهم الموضوعات التي يجب النقاش فيها دون خجل، فحسب طبيعة العصر وثقافته تكون للعلاقات الجنسية دور، والعصر الذي نعيشه مادي لذلك يغلب عليه الاهتمام بالعلاقات الجنسية، وهناك عصور مضت تغلبت فيها العلاقة الروحية فقل الاهتمام بالجانب الجسدي، وتؤكد الدراسات ان 80% من المشاكل الزوجية سببها العلاقات الجنسية بين الزوجين.
ويذكر الزوجان أسبابا عديدة للخلافات بينهما ويخفيان السبب الحقيقي لأنهما يرفضان الافصاح عنه، لذلك من المهم وجود ثقافة زوجية تعلم الزوجين كافة الامور المهمة في حياتهما الزوجية وتناقش العلاقة الجنسية دون خجل، لأن الإشباع الجسدي يجعل الإنسان أهدأ حالا، لا يعاني من الانفعالات العصبية الشديدة، لأنه عندما يغضب ويثور ينجرف لأفعال لا تليق به وقد تؤثر سلبا على حياته أسريا وأجتماعيا. كما أن الزواج نصف الدين وحثت عليه جميع الشرائع السماوية لأن ذلك يجعل الإنسان يسلم من الخجل، فالأسرة هي التي تعمر الارض وتبني المجتمعات الحضارات.
ويتساءل شراب ماذا يحب الرجل؟، لماذا نعتقد ان للرجل افضلية على المرأة؟، فالرجل له أدوار مختلفة عن المرأة ومن ضمنها القوامة، والقوامة هي دور وليس تفضيل، وتعني مسؤولية الرجل في البيت.
وبالتالي مراعاة الرجل لمشاعر المرأة لا تقل عن مراعاة المرأة لمشاعره، فلابد أن يحمل كل واحد منهما للآخر نفس القدر من الرعاية والمشاعر، وفي نفس الوقت كلاهما مسؤول عن تحمل الآخر والصبر عليه عند الحاجة، وليس صحيحا أن الرجل لابد وأن تصبر عليه المرأة ولا العكس ايضا، هذا هو مبدأ المسؤولية المتبادلة، أن اكون مسؤولا عن مشاعر الآخرين كما أريدهم ان يكونوا مسؤولين عن مراعاة مشاعري.
لابد أن يكون لدينا رؤية بعيدة وهي بناء الحضارة الإنسانية، ولن تبني تلك الحضارة الا بوجود التوازن النفسي الذي يؤدي الى إعمار الأرض، لذلك فلابد ان تقوم الأسرة على دعائم الاحترام والتقدير والثقة الإيجابية، وتغيير العيوب الى صفات حسنة، وتحمل المسؤولية ومعرفة الأدوار كاملة في الأسرة، ولابد من ترتيب الأولويات لأنها حجر الأساس الذي يساعد على حياة أسرية سليمة خالية من المشاكل.
ويؤكد المستشار ابراهيم التميمي أن اضطراب العلاقة الجنسية بين الزوجين هي من اهم المشاكل التي تؤدي الى الطلاق الزوجين، فالزوج يهتم بإشباع نفسه جسديا ولا يهتم بزوجته، وفي المقابل يهتم بعمل علاقات جنسية مع أخريات، ويهمل بقصد أو بدون رغبات الزوجة الغريزية ويتناسى حقوقها عليه، وهنا اؤكد أن الجيل الجديد من الشباب يعرفون جيدا كيف يمكنهم إقامة علاقات جسدية مشبعة مع زوجاتهم لأنهم اكثر اطلاعا على تلك الموضوعات من خلال شبكة الإنترنت، وربما ايضا من خلال علاقات جسدية مروا بها، كذلك فالفتيات ايضا اصبح لديهن معلومات عن موضوع العلاقة الزوجية من خلال الفضائيات وايضا الإنترنت إلا أن خجلهن يجبرهن على الصمت.
تهيئة الطفل وتربيته
ويشير المستشار الأسري الدكتور احمد الحمصي الى أننا نعاني من التصحر العاطفي، وإنه لابد من محو الأمية العاطفية، وأننا نحتاج الى تهيئة الطفل وتربيته في المقام الأول لتكون تنشأته سليمة، وذلك لأن النمو الانفعالي والعاطفي ينمو مع الإنسان، ولابد كما ينمو الإنسان جسديا أن يكبر أيضا وينضج في انفعالاته بما يتناسب مع سنه، فالانفعالات تعبر عن العواطف، والثقافة العاطفية تشمل طريقة التعبير، والانفعال والتأثر بالوسط المحيط من ناحية المشاعر.
وعندما يقبل الشاب على الزواج فهو بحاجة الى عاطفة ناضجة، فقد تربى الرجل العربي على موروث ثقافي يمنعه من التعبير عن مشاعره، كذلك الفتاة العربية تصل الى سن العشرين ونجدها أيضا لا تتحلى بالنضج العاطفي، ولهذا نجدها تقع فريسة لشاب غمرها بكلامه المعسول فتمنحه كل شيء بناء على عاطفتها فيقوم الآخر بالإيقاع بها وابتزازها، لذلك يجب على الإنسان أن يمتلك نوعا من الذكاء العاطفي وهو كيف يتحكم في عواطفه حسب ما تقتضيه المصلحة ولا يجعل الحب يجره الى ما لا يحمد عقباه.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لابد وأن يتحكم الإنسان في عواطفه فلا يجره الغضب مثلا الى الانتقام، وألا يكون حب الأم لابنها سببا في منعه من أن يرى مصلحته ويسافر لإكمال تعليمه في الخارج، وألا يكون حب الزوج لزوجته سببا في تغاضيه عن الاخطاء التي تقود الأسرة الى الهاوية.
لذلك لابد أن يكون لدينا ثقافة عاطفية، ففي التنشئة الأولى للطفل كما نهتم بتعليمه لغويا علينا ان نهتم أيضا بتعليمه كلمات عاطفية تتعلق بالمشاعر والإفصاح عنها، كذلك لابد أن يتعلم مهارات اجتماعية لأنها إذا وجدت دلت على وجود النضج العاطفي مثل التبسم في وجوه الآخرين، التحدث بطلاقة مع الناس، انتقاء الأحاديث بشكل محبب للآخرين، فالشخص الذي يمتلك ذكاء اجتماعيا يحبه الناس، وغالبا يكون الشخص المحبوب عند الآخرين هو من يمتلك الذكاء الاجتماعي والنضج الانفعالي.
ويجب أن نعلم اولادنا ثقافة عاطفية بمعلومات عن العواطف وطريقة التعبير عنها وكيفية التحكم بها عند اللزوم، وتلك الثقافة يحتاجها كل فرد من أفراد المجتمع من أجل تنمية مهاراتهم الايجابية لمحو أميتهم العاطفية مما يعزز لديهم الثقة بالنفس ومعالجة العلاقات الاجتماعية المتدهورة، وحل المشاكل الاسرية.
فالصبر قيمة من الثقافة الاجتماعية، لذلك من يتعلم ضبط انفعالاته يسطيع الصبر على زوجته، على مديره، وعلى مرؤوسيه لو كان رئيسا في العمل.
الثقافة والنضج العاطفي أساس فهم الذات والتعامل مع الآخرين
يقول الدكتور علي شراب: الانسان الذي يمتلك ثقافة عاطفية ونضجا عاطفيا يستيطع فهم ذاته وفهم الآخرين، وكيفية التعامل مع ذاته، ومع الاخرين، ونحن نشدد على العواطف والمشاعر لأنها الدوافع الرئيسية للسلوك الانساني، فالجوع يدفع الى الاكل.
والغضب يدفع الى ارتكاب جريمة مثلا، لذلك عندما نتعلم التحكم في مشاعرنا سنتحكم في سلوكياتنا، فنحن بحاجة الى عمل بنظام خطوط متوازية مع وسائل الإعلام لنشر هذه الثقافة، وبحاجة الى مراكز تدريب تعلم الناس وتدربهم، وفي أمس الحاجة الى وجود مادة تدرس علم المشاعر في المناهج التعليمية لتدرس في المدارس، فنحن كبشر نتميز عن الحيوانات بأننا لدينا عقل ونستطيع ان نتحكم في مشاعرنا وأحاسيسنا ولا نندفع بدون تفكير كالحيوانات. ويجب تنمية الجانب العاطفي لدى الإنسان منذ الطفولة.
وتأكيد العادات والتقاليد والقيم الايجابية ونبذ تلك المتوارثة، إلا انها لا تستند على الدين، العمل على نبذ ثقافة العيب التي تتحكم في سلوكياتنا بمفاهيم خاطئة، البعد عن المباهاة والتفاخر من اجل تفادي كلام الناس، تحديات المجتمع المادي الذي نعيشه، لو أننا عززنا الثقافة الزوجية وساعدنا على محو الأمية العاطفية لن نجد الزوج الخائن ولا الزوجة المهملة، ويؤكد الدكتور عبد العزيز بن علي النعيمي، الرئيس التنفيذي لأحد المراكز الخيرية، أن هناك حبا رومانسيا وحبا واقعيا.
والحب الأول غالبا يكون ناجحا جدا قبل الزواج لأنه يحيى على الأحلام والخيال وزيادة التوقعات، أما الحب الواقعي حب دائم بعد الزواج، حب العشرة والمشاركة في الحياة، لذلك لابد من عدم المبالغة في الخيالات والأحلام حتى تكون النتائج أكثر إيجابية، ومن المهم وجود شفافية وصدق وثقة حتى تستمر العلاقة الزوجية.
ويضيف النعيمي: وعلى الزوجين ألا يجعلا غرفة النوم محلا للإفصاح عن مشاكلهما سويا، بل عليهما أن يجعلا تلك الغرفة رمزا للراحة والاستقرار والسعادة، ففي حالة الغضب على الإنسان أن يغير موقعه، أو يذهب ليتوضأ حتى لا تزداد مرحلة الغضب وتؤدي الى قرارات تسبب ضررا للعلاقة، كذلك عدم اللجوء الي المشعوذين وغيرهما لحل المشاكل الاسرية، فتلك النقطة من أخطر الأشياء التي يمكنها ان تدمر العلاقة نهائيا وعندما ينعم الفرد بعلاقة زوجية أسرية سليمة ستخف انفعالاته وعصبيته وهذا الأمر صحيح جسديا ونفسيا وطبيعيا مئة في المئة.
ويؤكد الداعية الإسلامي الشيخ الدكتور طالب الشحي على الحاجة الى التجديد، فبعد مرور 5 سنوات على الزواج يشعر الزوج بالبرود تجاه زوجته، وبعد 20 سنة يشعر وكأنها أخته، لذلك لابد من تجديد الدماء بالابتكار في التعامل والإبداع، وأن يتفنن في طرق التقرب من الزوجة، سواء بالهدايا أو بالكلمات الحلوة الرومانسية، يقول تبارك وتعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).





ليست هناك تعليقات: