١١‏/٠٤‏/٢٠٠٩

الخيانة الزوجية مشكلة تهدد الكيان الأسري



قد يكون الحديث عن الخيانة الزوجية في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا أشبه بالدخول في حقل ألغام، نظراً لحساسية الموضوع الشديدة، ثم لقلة الحالات في هذا الشأن لما يتمتع به مجتمعنا من مبادئ وتقاليد تحفظ عليه سلوكه العام وتجنب الكثير من الأسر مزالق الخطيئة والزلل، إلا أننا لا ننكر بعض الحالات هنا وهناك تسير بها ظروف أشخاصها أحياناً للوقوع بهذا الخطأ، فكان لا بد من تناوله من الجانب العلمي النفسي للوقوف على أسباب هذه الحالات وكيفية تجنبها.

والخيانة الزوجية بلا شك تعد مشكلة تهدد بعض البيوت بالتصدع والانهيار، وقد تكون ذات آثار سلبية على نفسية الأبناء الذين تهتز في عيونهم صورة والدهم القدوة والمثل.. وتتعدد أسباب خيانة الأزواج حسب شخصياتهم ومعتقداتهم، وحول تلك المشكلة وأسبابها وردود أفعال الزوجين تجاهها، وحول التصرف المثالي الذي يجب أن يصدر من الزوجة لمعالجة هذا الموضوع بحيث لا يؤثر على كيان حياتها العائلية دار حوارنا مع الأستاذ الدكتور طارق علي الحبيب بروفيسور ومستشار الطب النفسي في هيئة أبوظبي للخدمات الصحية.

يتحدث البرفيسور طارق الحبيب عن مفهوم الخيانة الزوجية قائلا: هي فعل أحد الطرفين فعلاً لا يرضاه الآخر في علاقته بشريك جديد، سواء بنى الرجل علاقته بامرأة أخرى أو بنت المرأة علاقتها برجل آخر، أيا كانت درجة هذه العلاقة بداية من الإعجاب حتى ممارسة العلاقة الخاصة. وتتعدد أسباب الخيانة عند الرجل، فهناك رجل يسعى إلى التجربة لاكتساب نوع من الخبرة خاصة إذا لم يكن لديه وازع ديني يمنعه من ممارسة هذا النوع المحرم شرعا من العلاقات خارج إطار العلاقة الزوجية، وقد يمارس رجل آخر الخيانة رغبة كنوع من التغيير فقط، ونوع آخر يفعل هذا الأمر مجاراة لأصدقائه الذين لديهم علاقات نسائية خارج إطار الحياة الزوجية وحتى لا يشعر بالنقص فإنه يعتقد أنه لابد أن يفعل مثلما يفعلون، وقد يكون الرجل مصابا بالضعف الجنسي فيسعى لتجربة قوته الجنسية بإقامة علاقة جنسية مع امرأة أخرى.
أزمة منتصف العمر
ويضيف البرفيسور الحبيب: لا يوجد إحصائيات؛ فمستحيل أن يعترف أحد بالخيانة ولا يوجد سن معينة يسعى فيها الرجل لممارسة الخيانة الزوجية، ولكن بعد سن الأربعين يصاب الرجل بما يسمى ازمة منتصف العمر والتي يبدأ فيها الرجل محاسبة نفسه عن ماذا فعل؟ ماذا قدم؟ ماذا حقق في حياته، وماذا قصر؟ خاصة هؤلاء الرجال الذين لم ينجحوا في حياتهم ويعانون من نقص في التوازن، فيجتاحه شعور بأنه لم يستمتع جيدا بهذه الحياة، لكن الإنسان الناجح يرى أنه حقق نتائج مميزة تشعره بالرضا.
وفي سن الأربعين يصاب الرجل برياح التغيير فيحدث للبعض تغيرات في سلوكياتهم التي أعتاد الناس عليها، فقد يتدين ويتجه أكثر إلى الدين، وقد ينحرف كأن يلبس مثلا ملابس غريبة غير معتاد عليها في مجتمعه، أو يتجه إلى تبني أفكار جديدة لم يكن مؤمنا بها من قبل، أو يصاب بالتغير الجنسي والاتجاه إلى الطرف الآخر وكأنه سيدرك شيئا ما.
ويرفض البرفيسور الحبيب أن تبحث الزوجة خلف زوجها لإثبات خيانته قائلا: من تبحث لإثبات الخيانة مخطئة، وهنا أتكلم عن المجتمع الخليجي بشكل خاص، لأنه لن يكون للزوجة سلطة على الرجل، ولن تستطيع أن تغير شيئا من الواقع ولن تكتشف إلا الهم والحزن، لذلك فعليها أن تستعيذ بالله تعالى من الشيطان، وعليها أن تتعامل مع الموقف بذكاء وذلك من خلال حصر أسباب الخيانة، حتى تقوم الأمر وعليها أن تتجنب المواجهة، وتطور نفسها، وأن تكون متعلمة وناضجة وأن تغير من حياتها للأفضل وأن تهيئ نفسها للتعامل مع حياتها الزوجية بذكاء وعقل وحكمة لتصل إلى أسباب السعادة.
ويمكن للزوجة أن تواجه زوجها في حالة واحدة وهي إذا كان الزوج من أصحاب الشخصيات الضعيفة، ويحتاج إليها فربما تكون المواجهة حلا جيدا لردعه عما يفعل، وهذا ما لا يمكنها فعله مع الزوج القوي أو العصبي أو صاحب الريادة، فالمواجهة سيصاحبها الإنكار من جهته، وربما يترتب عليها غياب أكثر له من البيت بحجه الزعل والغضب من زوجته، وهي هنا تعطيه مساحة أكبر للخيانة.
الأبناء ضحايا الخيانة
وينوه البرفيسور طارق الحبيب أن الأبناء هم ضحايا لمعرفة هذا الموضوع حتى لو تصالحت الأم مع الأب وتراجع أيضا عن الخيانة وغفرت له الزوجة فسقوط صورة الأب في عيون الأبناء أمر ليس بالسهل لأنه القدوة والمثال الذي يحتذون به، لذلك لابد أن يكون الموضوع في محيط سري تام بين الرجل والزوجة.
ويقول: ولابد للزوجة أن تستخدم معرفة الأبناء بهذا الأمر وسيلة تهديد غير مباشرة للزوج، كأن تقول له إنها خائفة لو عرف الأبناء بما يفعله الأب ووصل إليهم بطريق غير مباشر كيف سيكون رد فعلهم تجاه والدهم؟ وكيف ستكون نظرتهم إليه؟، أو تردد دائما له أن أولاده يلحون في السؤال عليه ويحبون تواجده معهم، وكأن الأولاد هم الطرف الآخر مع الأب ولا يقفون معها ضد والدهم.
الزوجة العاقلة تجعل من بيتها بيئة جاذبة للزوج لا طاردة
يؤكد البرفسور طارق أن حب الزوج لزوجته لا يمنع خيانته لها فيقول: لأن الرجل يخون بجسده وشهوته، لكن حب المرأة لزوجها يمنعها من الخيانة، فالرجل يخون بجسده أكثر من عواطفه، وهنا أؤكد أن حب الاحتواء يمنع الخيانة، بمعنى الاحتواء النفسي والروحي والجسدي بين الزوجين.
لذلك أؤكد للنساء أن الخيانة لا تنافس الحب، فقد يحب الزوج زوجته حبا كبيرا وصادقا، إلا أنه قد يخونها، لذلك عليها ألا تقتل هذا الحب وتتذكر العشرة الجميلة بينهما وألا تهدم حياتها، وعليها أن تعرف أنه لم يخنها ولكنه خان ربه.
وقد يحترم الزوج زوجته ويخونها أيضا، لذلك يجب على الزوجة عدم مواجهته وألا تتصادم معه لأنه ربما أثناء النقاش الحاد يتطور الأمر وتفقد هذا الاحترام، والاحترام أهم من الخيانة، لذلك على المرأة أن تستغل احترام زوجها لها وتوظف ذلك في عدم وجود خيانة أخرى، فالاحترام يسهم في محاصرة الرجل ومراقبته.
فإذا انكسر الاحترام لا يجبر ولكن الخيانة نستطيع تجبيرها، لأنه إذا انكسر الاحترام سيعتاد الزوج على ذلك وسيكون مدعاة لخيانة كبرى، وإذا كان الزوج سيئ الصفات تكون خيانته بالتأكيد جزءاً من أخلاقه، وإذا خان الزوج مرة واحدة وعاد عما فعل، فعلى الزوجة أن تسامح وكأنها لا تدري بالأمر، لكن إذا تكررت الخيانة عليها أن تقف معه لمواجهة المشكلة وتؤكد له أنه لم يخنها بل خان الله سبحانه وتعالى.
وعلى الزوجة ألا تجعل من علاقتها بزوجها كعلاقة المتهم برجل الأمن، بأن تبحث وتنقب دائما خلفه لاكتشاف أدلة أدانته، فلابد أن يكون البيت بالنسبة له عامل جذب لا عامل طرد، وعليها أيضا أن تبحث عن دورها في الخيانة ليس بالتجمل وغيره، ولكن بسبب انشغالها عن هذا الزوج، فالرجل يستمتع بالزوجة المشغولة به دائما، ولكن ليس بمراقبته، ولكن بتوصيل مشاعرها الجميلة ناحيته من خلال رسالة نصية له وهو في عمله، أو بمكالمة تسأل عنه وتفهمه إنها في انتظاره، وعليها دائما أن تشعره بأنه «سي السيد»، فهذا الشعور من الزوجة خاصة إذا كانت قوية يمنح الرجل امتلاء عاطفيا تجاه زوجته.
ففي بداية الزواج تكون العلاقة أشبه بعلاقة طفل بطفله، وبعد مرور عدة سنوات تأخذ العلاقة شكل النضج، وبعد سن الأربعين والخمسين يجب أن تتغير شكل العلاقة الزوجية وتتجه إلى الأخوة بمعنى أن تكون الزوجة الأخت والصديقة، فلم تعد العلاقة جنسية فقط في هذا السن، لذلك يجب أن تؤخذ بعض الأدوار من الزوجة وتمنح للشغالة أو الابنة الكبرى،حتى ترتاح الزوجة من أعباء من الممكن أن يقوم بها الآخرون في المنزل بها، كذلك الرجل يجب أن تخف أيضا عليه الأدوار الاجتماعية وبعض الواجبات ليأخذها منه الأولاد كي يكون مرتاحا، وليقطف ثمار الحياة.
ينتقل البرفسور طارق الحبيب إلى خيانة المرأة قائلا: غالبا تكون خيانة المرأة بسبب الحب والتعلق بطرف آخر، لكن الرجل يخون دون حب لذلك فخيانة المرأة أخطر وأشنع، وذلك لسببين أولهما اختلاط الأنساب وثانيا لأنها أيضا تخون بمشاعرها، أما الرجل فيخون بجسده وفي أحيانا أخرى الرجل يخون بجسده وعواطفه.
وتختلف ردود أفعال الأزواج الذين خانتهم زوجاتهم وذلك حسب شخصية الزوج، فهناك رجل صاحب شخصية غير واثقة أو مطمئنة يسعى الى استغلال هذا الموقف في ترتيب أوراق البيت، وأن يقلب الموازين لصالحه بأن يكون الأقوى عن طريق تهديدها بإبلاغ اخوانها أو غير ذلك، وهناك صاحب الشخصية السيكوباتية وهو يبقي زوجته ويستغل خيانتها كوسيلة لإذلالها، وهناك الزوج الخائن الذي يبقيها كما هي ويستمر هو في ممارسة الخيانة وهي لا تستطيع لومه لأنه ماسك عليها مذلة، وهناك زوج يطلق زوجته فورا، وآخر أيضا يقتلها انتقاما للشرف، لذلك تختلف ردود فعل الزوج حسب ما يتبناه من معنى الخيانة، وما يتمسك به من معانٍ وقيم اجتماعية.
الزوجة التي يخونها زوجها ثم يعود إليها تنسى ما حدث وتفرح بهذا الشيء حتى لو ستكون ذكرى مؤلمة فيما بعد، لكنها ستسعد بأنها استطاعت إعادته إليها، كما أنه سيكون أكثر قابلية لتوجيهات زوجته واحتياطاتها، وقد يتنازل عن بعض السلوكيات غير الجيدة لزوجته مثل التدخين وغيره من أجل إرضائها، وهناك كثير من الرجال تقومت أخلاقهم عندما عرفت الزوجة بأمر خيانتهم.






ليست هناك تعليقات: