١٧‏/٠٤‏/٢٠٠٩

الطلاق يهدد الكيان الأسري واستقرار المجتمع - الاخيرة




تناولنا على مدى خمس حلقات سابقة ملف «الطلاق يهدد الكيان الأسري»، بحثنا فيه الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى وقوع الطلاق وارتفاع نسبته والتي وصلت إلى 26%، وأن أعلى معدلات في الشريحة العمرية من 20-30 عاماً «نسبة المطلقين في هذه السن 42% من إجمالي عدد المطلقين»، وأن معظم حالات الطلاق تمت في السنوات الأولى من عمر الزواج حيث بلغت37%، واستعرضنا آراء الخبراء والمختصين في تلك الظاهرة التي تهدد المجتمع واستقراره ثم خرجنا ببعض التوصيات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
وتناولنا أهمية الأسرة التي تعد اللبنة الأولى في المجتمع، وأن صلاحها هو صلاح للمجتمع بآسره، كما أنها عماد المجتمع، وأن والزواج هو الأساس الذي تقوم عليه الأسرة التي تعتد ملاذ الفرد الذي يجد فيها الراحة والسكينة وتشبع حاجاته ودوافعه ويحقق من خلالها أهدافه، كما أنها تحقق له الحماية، وكيف أن الدين الإسلامي اهتم بالأسرة ونظم جميع المسؤوليات التي تقع على عبء أفرادها وقد وصفها رسولنا الحكيم بقوله: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
تنشئة سليمة
ومن خلال الأسرة يحصل الأبناء على التنشئة السليمة، فتمسك الأسرة بدينها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها حتماً سيخرج للمجتمع جيلا من المواطنين الصالحين الذي يستطيعون الوقوف على أرض صلبة لا تستطيع كافة التحديات أن تؤثر فيهم أو تنحيهم عن الطريق الصحيح، والزواج الصحي عنوان جيد لمجتمع سليم متماسك يعرف فيه كل فرد مسؤلياته وحقوقه وواجباته، وعندما ينشأ الأبناء في بيت يخلو من المشاكل الزوجية يسوده الحب والوئام والتفاهم. واستعرضنا الغاية الكبيرة والهدف الأسمى من تكوين أسرة والتي تكمن في تعمير الأرض وبناء الحضارات.
وانتقلنا إلى التحديات التي تواجه الأسرة الإماراتية في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتي تهدد استقرار الأسرة وبالتالي كيان المجتمع، واستعرضنا بعض النتائج التي تتلخص في أنه سيشهد التكوين البنائي للأسرة الإماراتية تغيراً في المستقبل من حيث النمط والحجم وعدد الأطفال، ويتمثل هذا التغير في غلبة نمط الأسرة النووية (الصغيرة) على الأسرة الممتدة، واتجاه حجم الأسرة نحو العدد المتوسط، واتجاه الأسر نحو تقليل عدد أطفالها.
كما ستواجه الأسرة في المجتمع الإماراتي بعض المشكلات الاجتماعية، بعضها لم تعرفه من قبل مثل: التشبع بالقيم الغربية، ودخول أنماط مستحدثة من الجريمة، والبعض الآخر امتداد لمشكلات قديمة، لكنها سوف تتفاقم في المستقبل مثل الخلافات الأسرية، وستشهد الأسرة الإماراتية في المستقبل تصاعدًا لمشكلة الطلاق!
وهناك تحديات خارجية مثل التأثر بالعولمة والاقتداء بالنماذج السلبية التي يبثها الفضاء المفتوح، وتحديات داخلية تنبع من عدم الفهم والوعي بين الزوجين بأهمية الاختيار الصحيح والتكافؤ بين الطرفين، والجهل بمسؤولية كل فرد في الأسرة، والاهتمام بالمادة وطغيان النزعة الاستهلاكية، وافتقاد إلى الثقافة الزوجية، والأمية العاطفية.
كذلك تناولنا حاجة الإنسان إلى المشاعر والجنس لاستمرار حياته الأسرية وليحقق لنفسه وعائلته التوازن النفسي، فلاشك أن الجنس من أقوى غرائز الإنسان وأعنفها، وإذا لم يشبعها فإنها تؤدي به إلى كثير من الاضطرابات وتحول حياته إلى جحيم، والزواج هو الوسيلة الشرعية لإشباعها.
اهم الاسباب
واستعرضنا أهم الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الطلاق وهي الاختيار الخاطئ من بداية الخطبة كعدم وجود تكافؤ بين الزوجين من الناحية التعليمية والاجتماعية والمادية، وكثرة المشاحنات والخلافات الزوجية، والمطالب المالية الكثيرة للزوجة مما يثقل كاهل الزوج، عدم إنفاق الزوج على بيته، اختلاف وجهات النظر في القضايا الهامة والمصيرية التي تقابل الأسرة، خروج المرأة للعمل وإهمالها لبيتها وأولادها وتركهم للخدم.
وعدم اعتراف المرأة العاملة بقوامة الرجل وسعيها المستمر في تحقيق ذاتها ماديا واجتماعيا على حساب مصلحة الأسرة وهذا يجعلها ترفض قبول ما كانت تقبله أمها بغض النظر عنه من اجل استمرار الحياة الزوجية، تعدد الزوجات، شرب المخدرات، عدم الإشباع النفسي والجسدي، وخيانة الزوج.
وإن الأولاد هم ضحايا الحرب الضروس بين الأب والأم في حالة الطلاق، وأن أهم المشاكل التي تقابل المرأة بعد الطلاق حضانة الأولاد لأن القانون يحرمها حقها في الحضانة إذا تزوجت فيسقط حقها فيها، مما يجعلها ترفض الزواج خوفا على أولادها الذين سيأخذهم أبوهم، مما يجعل البعض يتجهون إلى الزواج في السر، وأن النساء تجهل حقوقها القانونية في حالة الطلاق.
لذلك خرجنا بعدد من التوصيات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار للتقليل من ظاهرة الطلاق في سن مبكر على مستوى الفرد والدولة، فعلى مستوى الأفراد لابد من: عدم التسرع في الاختيار، ومراعاة الكفاءة بين الزوجين في المستوى التعليمي والاجتماعي والتدين، وعدم الإصغاء لأقاويل الآخرين من وشايات ومعلومات غير دقيقة تهدف إلى الإفساد بين الطرفين، وعلى كلا الطرفين ألا يفصحا عن العيوب السابقة في حياتهما للآخر لأن ذلك قد يؤدي إلى النفور، بل عليهما نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة لحياتهما سويا.
ولابد من ترتيب الأهداف في الحياة الزوجية، وأن تكون تلك الأهداف كبيرة ومهمة ومعروفة للطرفين كي يسعيا سويا لتحقيقها ويكون أمن الآسرة ودوامها من الأهداف الرئيسية وتبقى الأمور الأخرى كمالية لأن الآسرة تماما كالبناء إذا لم يكن على أساس متين فإنه لن يصمد طويلا.
ويجب معرفة الواجبات والمهام التي تقع على عاتق الزوجين، فالأسرة مؤسسة بالدرجة الأولى، وعلى الفرد أن يعمل ويستغل طاقته في عمله خارج البيت وألا ينسى أيضاً عمله في البيت وهنا لابد من إيجاد توازن بين العمل والبيت.
القرار الصائب
ومن التوصيات أيضاً عدم التسرع في اتخاذ القرارات، بل على الفرد أن يؤجل قراره في نفس الليلة إلى اليوم التالي لكي يكون القرار صائبا، وعدم الإسراف والمبالغة في الحياة الزوجية لما يترتب عليه من عبء مادي، والحرص على إشباع الاحتياجات العاطفية والجنسية للطرف الآخر. وأخيراً لابد أن تعرف المرأة حقوقها القانونية في حالة الطلاق وحضانة الأولاد ويتم ذلك بالتوعية خلال وسائل الإعلام وغيرها.
أما على مستوى المجتمع، فقد طالب المختصون بضرورة وجود هيئة تضم مركزاً للتثقيف الزوجي تضم أطباء نفسيين واستشاريين اجتماعيين وأسريين لعمل توعيه للمقبلين على الزواج عن موضوع الزواج وحقوق وواجبات الزوجين.
وتضم أيضا حقوقيين ليسوا من الأكاديميين فقط ولكن من المحامين والقضاة للاستفادة من خبرتهم العملية من خلال القضايا التي ينظرون إليها في المحاكم، كما أنه لابد من استحداث شهادة تسمى «رخصة قيادة الأسرة» ويحصل عليها كل من يتقدم لصندوق الزواج ليأخذ المنحة، مثلها كالشهادة الصحية التي تطلب خلوه من الأمراض، وعن طريق تلك الرخصة يستطيع من حصل عليها أن يعرف كيف يتعامل نفسيا واجتماعيا وشرعيا مع الطرف الآخر، وبالتالي فإن الزوجين مؤهلان بالفعل للزواج وقيادة الأسرة إلى بر الأمان.
ومن التوصيات أيضاً منح الزوج راتبا إضافياً يعادل 10 آلاف درهم مقابل إبقاء زوجته في المنزل لرعاية بيتها وأولادها، وتكثيف الحملات التي تهتم بالحفاظ على الكيان الأسري، ولابد من تواصلها وتعليم المقبلين على الزواج الثقافة الزوجية بداية من المدارس والجامعات.
ولنتذكر أن الزواج ليس معركة تضم منتصراً وخاسراً وكل منهما يريد أن يتفادى الخسارة بالضغط على الطرف الآخر، فالزواج هو حياة مشتركة وعنوان لتماسك المجتمع ونجاحه، وأن الحياة المشتركة تستحق المزيد من المحاضرات والندوات ولتكن إجبارية لكل مقدم على الزواج على أيدي متخصصين حتى لا يصدم أولادنا بمشروع الزواج ويضطرون للجوء إلى أبغض الحلال.


ليست هناك تعليقات: