٢٧‏/٠٩‏/٢٠٠٨

رمضان الغربة يفرض صعوبته.. الحضور الأكثر بهاءً في مكة والقاهرة وإسطنبول



يتذكر أمير الشعراء كريم معتوق اشهر رمضان التي أمضاها خارج الوطن ويتحدث بمرارة قائلا: لم أكن اشعر بطعم وحلاوة قضاء رمضان في الإمارات بين الأهل والأحباب، كانت أياما صعبة ومريرة لأن رمضان هو شهر اللمة والألفة بين الناس، فمازلت اذكر رمضان طفولتي وسنوات البراءة الأولى عندما كنا نلعب ونلهو وقتما نشاء، ونعود للبيت وقتما نرغب.

وقد قلت قصائد كثيرة في هذا الموضوع اذكر منها على سبيل المثال (شيئان ما أصبحنا ـ وما أحسست أن القلب ينفطر ـ رمضان والمطر)، نعم مررت بأحلى الذكريات الرمضانية فحتى الفقر كنا نستمتع به، نعم كنا نستمتع بالحاجة ولم نشعر وقتها بالضيق، كنا نتعاون بحب واخلاص ولم يكن يسود الحذر علاقاتنا مثلما هو سائد اليوم. ويواصل معتوق: حقا كانت أياما مؤلمة أن يهل الشهر الكريم ويمضيها الإنسان بعيدا عن وطنه وأهله وأحبته، فيشعر بمرارة الغربة القاسية في كل تفاصيلها، ففي عام
199 عشت في مدينة (نوريج) في الممكلة المتحدة، والتي تقع في الشمال الشرقي من لندن، لدراسة اللغة الأنجليزية والإدارة.

وتلك المدينة تشتهر بالمدارس ذات التاريخ العريق، وكل ما فيها يوحي بالأصالة والعراقة التاريخية، مدينة هادئة تأخذك الى قلب التاريخ الانجليزي، ويتضح ذلك جليا في شوارعها ومبانيها العتيقة التي يفوح منها عبق التراث، تلك الأبنية التي صممت بطريقة خاصة بحيث مع الشمس التي تقع على الأعمدة الكبيرة يستطيع أهل البلدة القدامى معرفة التوقيت أيام كانوا لم يعرفوا الساعة الزمنية بعد، وتقع المدينة في موقع منعزل عن العاصمة لندن وتبعد عنها حوالي 40 كيلومترا. مما جعلها تتسم بالهدوء والافتقار لوسائل الترفيه، إلا أنها تصلح للدراسة والعلم، وهناك أمضيت عدة سنوات، وكانت أصعب الأيام خلال شهر رمضان، الذي يأتينا في الشتاء، لم أكن اشعر بالجوع إلا أنني، ومازلت أتذكر، كنت اشعر بالرجفة تهز أوصالي من شدة البرد.

أتذكر أيضا ان معظم الطلبة العرب، وعددهم 18، كانوا يفطرون الشهر ولم يكن يصوم منهم إلا اثنان، ويعود ذلك الى الجو العام الذي كان يمارس فيه أهل البلد حياتهم العادية، فلا ملمح يدل على وجود شهر رمضان كما في بلداننا العربية والإسلامية، ولم تكن هناك فضائيات نتابعها لنعرف الاعلان عن هلال رمضان، وكان من المفروض أن نصوم ونفطر تبعا لأقرب دولة إسلامية. وللأسف لم يكن لبريطانيا جيران من الدول الإسلامية، وكنا كعرب ومسلمين نعرف أوقات آذان المغرب وأتذكر أننا أفطرنا في أول أسبوع من شهر رمضان في تمام الساعة السادسة، وانقلب الحال في الأسبوع التالي لنفطر الساعة الثامنة مساء حسب التوقيت المحلي هناك.
وقضيت أيضا شهر رمضان عام 1992م في المانيا كمرافق طبي، وتحديدا في مدينة (هايدبيرغ) وهي جنة الله على الأرض، فقد رسمتها الطبيعة على شكل غابات سوداء لا مثيل في جمالها الأخاذ، وهي من المدن التي لم تدمر في الحرب العالمية الثانية.
وذلك لأنها احتمت ضمن المدن الطبية التي تم الاتفاق بين الحلفاء والمحور على ألا تمس لأنها مدن للعلاج فقط ولايوجد بها سلاح، ورغم جمال المدينة إلا أنني شعرت بضيق وأنا أقضي شهر رمضان فيها، وذلك لأن المسلمين في المدن الصغيرة في بريطانيا أو ألمانيا لا يشكلون مظهرا إسلاميا، كما لا يوجد بها مراكز للعرب أو المسلمين.
ولندن أيضا هي المدينة التي أمضى فيها أربعة شهور من رمضان من عام 1976م وحتى 1980م، بسبب الدراسة. هكذا ذكر الدكتور جواد حمود تويج استشاري جراحة العظام والكسور في مستشفى دار الشفاء في أبوظبي، وأضاف تركت بغداد وذهبت الى إنجلترا للدراسة في كلية الجراحين الملكية البريطانية ورغم انشغالنا كطلبة عرب ومسلمين بالدراسة اليومية والعمل في المستشفيات إلا أننا كنا نشعر بوحشة حقيقية للأوطان خاصة في شهر رمضان.
في تلك السنوات لم يكن هناك فضائيات تخبرنا بما يدور حولنا، حتى أن التلفزيون الانجليزي لم يكن به سوى قناتين. إلا أن الراديو كان الصديق الأجمل لنا ومن خلاله كنا نستطع الوصول الى الإذاعات العربية التي تبث إرسالها ليصل إلينا في الخارج مثل صوت العرب.
وكنا كأطباء عرب مسلمين نعتمد على بعضنا البعض في معرفة بداية شهر رمضان، وكان المستشفى الذي نعمل به تابع للكلية التي ندرس فيها، لذلك عشنا في السكن الداخلي الخاص بها وهو مقسم الى سكن للعزاب وآخر للمتزوجين، وكنا نتجمع كأطباء عرب من جميع الدول العربية مثل قطر وعمان ومصر والعراق وسوريا مع الأطباء المسلمين من الدول الأخرى في سكن الأطباء المتزوجين وقت الإفطار يوميا.
حيث يقومون بتحضير مائدة كبيرة تحتوي على جميع الأكلات العربية التي تساهم فيها جميع زوجات الأطباء، وكنت أساهم أنا الآخر بتحضير بعض الأطعمة الخاصة بالمطبخ العراقي، فقد علمتني الغربة طريقة الطهي، وكنت أضحك دائما عندما أقدم ما أقوم بطهيه للزملاء فأقول لهم (خربت مربط بس يطلع زين)، وذلك لأن الرجل عندما يقوم بالطهي لا يسعى للادخار ويعطي كل شيء حقه بغزارة لذلك يخرج الطعام جميلا وربما اكثر جمالا مما تطهوه المرأة.
ويضيف الدكتور جواد لكننى ومهما بعدت عن بغداد أتذكر أن لرمضان فيها طعما خاصا محببا الى النفس يكاد يرتبط اسمه في العراق ارتباطا وثيقا بسوق الشورجة، ولا يمكن لعائلة عراقية ان تستقبل رمضان الا من دكاكين الشورجة وروائح البهارات والتوابل المميزة التي تنبعث من على بعد عشرات الامتار عن السوق..
والقاهرة من أجمل المدن التي أمضيت فيها شهر رمضان، ففي مصر تشعر بألفة شديدة مع الشعب وتشعر كأنك لم تغادر وطنك يوما، ورمضان القاهرة له مذاق خاص مفعم بالحركة والحيوية، الناس لا تنام ولا تهدأ إلا بعد صلاة الفجر، والزينة والأنوار في كل مكان بالشوارع، خيام مخصوصة لبيع الكنافة والقطايف، وهي الحلويات التي لا يخلو بيت مصري منها في شهر رمضان.
وعندما يحين مدفع الإفطار تسمع صوت المدفع يعلن عن ذلك، وبجانب تناول البعض إفطارهم في المطاعم الشعبية بحي الحسين الذي يكون مزدحما طوال الليل والنهار وطوال أيام الشهر الكريم، هناك ايضا موائد الرحمن المنتشرة في كل مكان في شوارع القاهرة، مع احتفالات دينية خاصة في مساجد القاهرة الكبيرة مثل الأزهر، السلطان حسين، عمرو بن العاص، والسيدة زينب.
كذلك احببت رمضان في اسطنبول فهو يماثل رمضان القاهرة تماما، فتزدان المساجد وتضاء المآذن التى كتب عليها (أهلا بك ياسلطان الشهور.. يارمضان).
مصممة الأزياء الإماراتية رانية البستكي تقول إنها قبل خمس سنوات تقريبا أمضت شهر رمضان في ألمانيا وتحديدا في ميونخ حيث كانت مرافقا طبيا لوالدتها، وتقول: كنا نسكن في بناية كل من يعيش فيها عرب مسلمين وكان مدير البناية عربي تونسي حرص على أن يبتهج سكان البناية جميعا بمظاهر جميلة للشهر الفضيل، فوضع في كل طابق مكبرا للصوت يذيع أذان الصلوات الخمس ولكن دون صوت مرتفع.
ورغم حرص سكان البناية على التجمع على الإفطار، إلا أنني لم أكن أشعر أن هذا الشهر هو نفس شهر رمضان الذي أحتفل به في بلدي. كذلك أمضيت شهر رمضان في البحرين وكانت الأجواء رمضانية جميلة، وأعتبر رمضان الذي أمضيته في عمرة بالسعودية من أجمل شهور رمضان الذي عشتها في عمري، فرمضان في الحرم مختلف، أجواء دينية وعبادة متواصلة، وتواصل ورحمة بين الناس.
حيث تجد من يعطيك تمرا ولبن لتفطر عليه، وهناك من يوزع يوميا وجبات لإفطار الصائمين، كما أتذكر أنني عشت بعض الأيام قبل قدوم شهر رمضان في القاهرة، وأبهرني ما رأيت من التحضير مسبقا لشهر رمضان، حيث امتلأت الشوارع والمحلات بالفوانيس التي يحرص الناس على شرائها في هذا الشهر، ورأيتهم ينصبون الخيام لبيع الكنافة والقطايف، والحقيقة لرمضان طعم خاص في مصر خاصة في حي الحسين.
أما منى عوني مديرة العلاقات العامة والتسويق في فندق شيراتون أبوظبي فتقول إنها لا ترغب في تذكر أنها أمضت يوما شهر رمضان خارج وطنها تونس قائلة: كانت اياما صعبة حقيقة فهناك لا توجد أية مظاهر احتفال بقدوم رمضان ويجد الإنسان نفسه وحيدا متألما.
أما رمضان في تونس فيشبه جمال رمضان في مصر، فمثلا لدينا عادة لابد منها وهي استقبال رمضان إما بتغيير أثاث السفرة والصالون لاستقبال الضيوف، أو شراء بعض المفارش التي تزين الطاولات وغيرها، ولابد يوميا من وجود ضيوف على مائدة كل أسرة، وتضم تلك المائدة ما لذ وطاب من الأكلات التونسية الشهيرة في رمضان.
إضاءة
«الحسين» حي رمضاني عمره ألف سنة، يتلألأ بالأنوار ويزدحم بالناس طوال ليالي الشهر الكريم، والإفطار والسهر فيه حتى الصباح نزهة رمضانية ممتعة للمصريين والأجانب.
حيث يتحول المكان إلى مهرجان بشري يضم كافة الطبقات والألوان والأجناس، يزورون ضريح الحسين ويتجولون في خان الخليلي ويصلون المغرب في مساجد الحي الشهيرة مثل: الأزهر والأنور والأقمر ويفطرون في مطاعمه التي ترص موائدها بعرض الشارع.





================================





ليست هناك تعليقات: