٢٧‏/٠٩‏/٢٠٠٨

حدث لها في رمضان




جلست تتحدث مع زميلتها عن الشحاذين والنصابين الذين ينتشرون في شهر رمضان، وعادت بذاكرتها إلى الماضي تقص عليها أول عملية نصب تقع لها أثناء طفولتها،عندما أرسلتها والدتها لتشتري لها كيسا من المعكرونة من محل البقالة المجاور لبيتهم، تقدم نحوها رجل لا تعرفه يسألها ( هل ذهبت إلى عم حسين؟) فأجابت بالنفي ؟،الا أنه عاجلها بالقول إن والدها أحضر لها فوانيس رمضان وعليها أن تذهب لعم حسين لتأخذها منه.
وطلب منها أن يصطحبها إليه، وبعد خطوات قليلة سألها عن النقود التي تغلق يدها عليها، فأخبرته بالمبلغ، فنصحها ألا تظهرها أمام العم حسين كي لا يزعل لأنه منح والدها الفوانيس كهدية لهم، فأحكمت يدها على النقود حتى تخبئها، إلا أنه أخبرها أنه مازال يراها داخل يدها، وعليها أن تعطيها له حتى يخفيها.
وأعطاها لفة صغيرة من ورقة جريدة وأخبرها أن النقود بداخلها، ثم أشار إلى محل بعيد وأخبرها أنه محل عم حسين بائع الفوانيس، وذهبت ولم تجد أحدا وعادت إلى المنزل وعرفت أمها أنها وقعت ضحية لنصاب ولا اثر للنقود داخل ورقة الجريدة وحمدت الله على عودة ابنتها سالمة وحذرها والدها ألا تصدق أحدا تراه في الشارع ولا تعرفه مهما حدث.
وفي شهر رمضان أيضا وأثناء عودتها من الجامعة وتحديدا أمام احد المخابز التي ازدحمت بالناس اقتربت منها سيدة ظهر عليها التعب والإرهاق وقلة الحيلة، وأعطتها ورقة كتب عليها اسم كتاب باللغة الانجليزية، وأخبرتها أنه كتاب لأبنها طالب الطب وإنها فقيرة لا تستطيع شراءه، فانهمرت دموعها وبشكل تلقائي مدت يدها داخل حقيبتها لتجمع كل ما تستطع من نقود لتعطيها للمرأة.
وواصلت سيرها إلى المنزل وهي مازالت تبكي، وعندما دخلت البيت سألتها والدتها بفزع عما أبكاها، فقصت لها الحكاية فاستفزتها ضحكات أخوها المرتفعة وقال لها ( اللي مامعهوش مايلزموش) لماذا يلتحق ابنها بكلية الطب وهي كلية لا يقدر عليها سوى الأغنياء، وأكد لها ان تلك المرأة نصبت عليها. شعرت بالضيق والنفور من أخيها الذي تحدث بنبرة لا ترحم الفقراء، إلى أن شاهدت تلك السيدة وبعد ثلاثة شهور تقريبا وهي تستعطف المارة بنفس الأسلوب ومازالت في يدها القصاصة التي كتبت عليها اسم الكتاب.
ابتسمت وهي تسترجع الذكريات عندما لبت دعوة والدتها على الإفطار وكانت لا تزال عروسا لم يمض على زواجها سوى عدة شهور، وعندما همت بالنزول من السيارة فوجئت بامرأة تهجم عليها وتنحني لتقبل يدها وهي تخبرها بأنها ستطرد من الغرفة التي تعيش فيها غداً إذا لم تدفع الإيجار.
ولم تتمالك دموعها ومدت يدها سريعا داخل حقيبة يدها واقتطعت من مالها ما يمكن أن يسدد ثمن ايجار الغرفة ومنحته للمرأة، وعندما قصت على أختها الحكاية، ضحكت وأخبرتها أن هذا السيناريو يتكرر كثيرا من تلك المرأة ويوميا في هذا المكان.ضحكت مع زميلتها على عمليات النصب التي لا يمكن اكتشافها إلا بعد فوات الأوان، وتركتها الزميلة وذهبت بعد أن طلبها المدير.
وأثناء انشغالها في العمل دخل المكتب شاب يبدو في الخامسة والثلاثين من عمره وأكد لها أنه قصدها بالذات لأنه يعرف أنها امرأة بمئة رجل وأنها ستساعده في المحنة التي ألمت به فقد أتى إلى البلد بتأشيرة زيارة لعله يجد عملا إلا أنه لم يحالفه الحظ ويريد أن يعود إلى وطنه ثانية وقد جمع له الأصدقاء جزءاً من ثمن التذكرة.
ولم يتبق منها إلا حوالي 400 درهم وإنه مستعد لمنحها كافة الضمانات وسيعطيها عنوانه ليرد لها المبلغ، طلبت منه أن ينتظرها بضع دقائق، وقامت بجولة سريعة ولم يقصر الزملاء في المساهمة، ومنحت الرجل ما أراد وعندما قصت الحكاية لزوجها ضحك متسائلا (هو وصل إليكم أيضا؟).




=======================


ليست هناك تعليقات: