٢١‏/١١‏/٢٠٠٨

يوسف خوري . . 10 آلاف قطعة أثرية جعلت منزله متحفاً




كان والديوسف خوري يمتلك دكانا في السوق يبيع لمن يذهبون الى الغوص جميع الأغراض التي يحتاجونها، وكان يبيع لهم ولغيرهم بالدين حيث كانوا لا يمتلكون نقودا يستطيعون الشراء بها، ولاتزال لديه دفاتر ديون تخص والده وعمه منذ ما يزيد على مئة سنة، وبها أسماء الناس الذين كانوا يشترون منهما بالدين.

يقول خوري: كانت الحياة صعبة وقاسية، لكن الناس كانت أطيب، لم يكن لدينا ماء للشرب، وكان هناك شخص يسمى خميس العجماني أبو بطي وعمه يمتلكان محامل بالشراع ، كنا نعطيهما الدرامات ويسافران الى قطر ثم يعودان ثانية الى أبوظبي ومعهما الماء .

ونشتري منهما درامات الماء ونتركها في المنزل لمدة شهر حتى يسقط الصدأ في القاع لتصبح صالحة للشرب ، وكانت تحضر الماء الحلوة من قطر ورأس الخيمة، وكان الناس يشربون ايضا من الماء الغربي الموجود بجوار قصر الحصن الا أنه كان مالحا، ويطبخون بالماء الشرقي ويغسلون أغراضهم في البحر. لم يكن لدينا كهرباء، وكان الناس ينامون مبكرا، ويستخدمون الكاز للإنارة عند التزاور فقط، وكان الكاز يأتينا أيضا في درامات من إيران.

العيدية روبية
ختمت القرآن عند المطوع درويش بن كرم «رحمه الله»، وعلمني خالي الكتابة، ثم واصلت أنا تعليم نفسي بنفسي، وأتذكر ونحن أطفال لم يكن لدينا سوى كندورة واحدة، ولا وزار ولا نعال، وننتظر من العيد الى العيد حتى تأتينا كندورة ووزار جديد، وكانت فرحة العيد كبيرة، حيث كانوا يحنوننا كأولاد في ايدينا وأرجلنا، ويحنون أصابع وداخل كفوف البنات.
وتطبخ النساء الهريس والخبيص والفقع والبلاليط والعصيد، وكنا نلف على البيوت لنأخذ العيدية ومنهم من يعطينا كرخية أو أربع بيزات ، لكن الشيوخ كانوا يعطوننا كل واحد روبية، فنذهب لشراء الحلاوة، وكان يبيعها جاسم بومدن وهو أول طواش يحضر الحلاوة من دبي.
وأيضا والد فطام زوجة جاسم النويس، كذلك كان على بومدين وحسين الريم يحضران الموز والخضار من دبي والهمبة من فارس والرمان من البحرين والتمر من البصرة، وكان البحارنة الموجودون عندنا جميعا اصحاب حرف.
وفي عام 1958م تقريبا كان لخالي محمد حسن المرزوقي مدير الجمارك وقتها صديق من دبي يدعى محمد سلمان ،ذات يوم سألني حول رغبتي في تسجيل اسمي للعمل في شركة أدما في جزيرة داس وما حفزني على الموافقة أنني عرفت أنهم في الشركة لديهم سينما يعرضون فيها الأفلام الإنجليزية والهندية يوميا.
وحتى لا أذهب بمفردي أخبرت أصدقائي والذين وافقوا على الفور وهم عبدالله حاجي وحسين محمد شريف، وذهبنا في المساء في الساعة الثامنة مساء الى الجزيرة بواسطة اللنش، ووصلنا في اليوم التالي الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا، وتشاجر آباؤنا واتهم كل واحد منهم الآخر بأن ابنه الذي حرض ولده على الذهاب الى دلما.
وعملت في المطبخ أساعد الطباخين وأغسل الصحون، هناك تعلمنا أوردوا ثم علمنا المستر ديلي أبرانتس اللغة الأنجليزية، ثم تدربنا على أشياء فنية في استخراج النفط وتنقلنا الى أقسام أخرى وبدأت بمعاش 60 روبية وكان راتبا جيدا، وانتقلنا من سكن العمال الى «الأرتيزان» سكن الفنيين والنجارين ثم سكن الكتبة والمهندسيين، وارتفع راتبي الى 215 دينارا بحرينيا، وكنا نرسل كل أول شهر البيزات لأهلنا في أبوظبي.
ممنوع الحديث عن مصر
وفي سنة 1956م، اتذكر وقت العدوان الثلاثي على مصر، وكان الإنجليز يمنعوننا من الاستماع للراديو أو مجرد ذكر اسم مصر، وكانوا يتجسسون علينا ليعرفوا ماذا نقول عن الحرب الدائرة من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، والذي يثبت عليه أنه تحدث في هذا الموضوع يطردونه فورا من العمل وكذلك في حرب 1967م.
وبعد 10 سنوات من العمل قدمت استقالتي في عام 1968م ، ولم يوافقوا على الاستقالة كما يحدث الآن في كل أماكن العمل، بل تركوني لمدة شهرين وسألوني أكثر من مرة لماذا تريد أن تترك العمل؟ وقالوا لي سنزيد معاشك، الا انني رفضت وأردت ان أعود بعد تولي الشيخ زايد للحكم ، وذهبت الى خالي وعملت معه في الجمارك كأمين للصندوق وترقيت الى قسم شؤون الموظفين وتقاعدت بعد 35 سنة.
وفي عام 1967م بدأت لدي هواية جمع التحف والأنتيكات وقد ورثتها من والدي الذي كان يبيع في دكانه كافة الأغراض، وحاليا أمتلك عشرة الاف قطعة تراثية نادرة محلية وعالمية، وبدأت كهاو لجمع الطوابع من خلال هواة المراسلة في المجلات، حيث جمعت كل الطوابع التي كانت تأتي الي في الخطابات، ثم تطور الأمر الى اقتناء كل شيء له قيمة تاريخية ومميز.
جمعت كثيرا من القطع المستخدمة قديما في أبوظبي منها كاميرات من سنة 1920م ، مثل كوداك وكانت تباع ب 15 روبية في بداية الستينات، ثم أكفا التي اشتريتها بحوالي 100 روبية ، وكنت أصور بها عندما عملت في شركة داس، وكنت أرسلها الى البحرين للتحميض عن طريق جاشنمال أما الكاميرا الملونة فكنت أرسلمها الى البحرين ومنها الى لندن لتعود لنا الأفلام مطبوعة بعد شهر.
كاميرات زجاجية وشمسية
أمتلك أصغر كاميرا ، وكاميرات متخصصة منها الشمسي والزجاجي والنيجاتيف القديمة ونيجاتيف للزعيم المصري سعد زغلول في منفاه في سريلانكا، والبروجكترات والراديوهات وبطاريات السيارات والساعات التي ظهرت في ابوظبي منها (أورسيس السويسرية) وكان سعرها 30 روبية، و(ويستن)وتعد من أغلى الساعات في ابوظبي وقد بلغ سعرها 80 روبية، وموديلات لساعات الحائط والمكتب، ومنها ساعة بيج بن وعرفت أيامها ب(أم سنطور) أي ذات الجرس.
وأمتلك مئات من الهواتف التي تعمل بواسطة اليد ومنها اللاسلكية وتعود الى القرن الماضي، ومنها اقدم هاتف نقال في السيارة وكان ثمنه 16 الف درهم. أيضا لدي مجموعة نادرة من الراديوهات مختلفة الأحجام ، ومنها الذي يعمل على بطارية السيارة، ومنا يعمل بالكاز .
اضافة الى كم غير عادي من الجرامافونات، وفي الماضي لم تكن منتشرة بشكل كبير، وكان الذي يمتلكها أما أن يكون صاحب مكانة اجتماعية مرموقة أو من التجار من رجال الأعمال ، وكانوا يتجمعون حولها لسماع الأغاني الخليجية واليمينة والعربية، ولدي كم من أجهزة التسجيل القديمة ، وشريط سلكي رفيع كانوا يسجلون عليه الأغاني ليستمعوا اليها ، وأجهزة لتشغيل الأفلام السينمائية.
مصاحف ورسائل النبي
ويواصل خوري ولدي مجموعة من المصاحف بخطوط قديمة ومتنوعة الأحجام، ومصحف مطبوع في آخر صفحاته الرسائل التي أرسلها النبي لحكام البلاد الأخري، اضافة الى مجموعة كبيرة من البنادق والأسلحة القديمة مثل (صمعة ـ أم فتيلة ـ ميزر ـ شوزن) واسلحة تعود الى فترات مختلفة ، ومدفع يعود الى 1521م وهو من المدافع التي كانت تستخدم على السفن البحرية.
ولدي مجموعة من العملات الجليدية والمعدنية والورقية تعود تاريخها الى العصر الأموي والعباسي، وأكثر من 1000 قطعة نقدية محلية وعالمية وعربية ، منها عملة للملك جورج الخامس وعملة الملكة فيكتوريا، وامتلك أرشيفا يضم 1500 عدد لصحيفة (ديلي نيوز) البريطانية التي تعود الى القرن الثامن عشر ووثائق أميركية نادرة تعود الى 1776م ووثائق المانية تعود الى أدلف هتلر.
وأمتلك كماً من الحيوانات المحنطة، وأنواعا نادرة من العاج، وأدوات للحلاقة وأمواساً وهي ادوات استخدمت في الإمارات ، واندر أنواع الأقلام والتحف التراثية الإماراتية، والأقمشة التراثية القديمة كالسلطانية وصالحي وبونفه، والعطور مثل الياسمين الهندي والزباد المستخدم من القط الوحشي.
أما عن هوايتي في صناعة المجسمات التي تعبر عن البيئة الإماراتية القديمة فقد تعلمتها وأنا أعمل في جزيرة داس، وأول ما صنعناه هو مجسم لأول استخراج للنفط، وتطورت لدي الهواية لأصنع المجسمات التراثية الخاصة بحياة أبوظبي قديما.
إضاءة
في منزل يوسف خوري أنت ضيف عزيز بل صاحب بيت محاط بكرم وحب وود أهل الإمارات الطيبين ، يتحدث معك عن الزمن الماضي وصعوبته بابتسامة لاتفارق شفتيه، وعندما سألته عن السنة التي ولد فيها، ضحك قائلا: لم يكن لدينا شهادات ميلاد.
وكانت المرأة اذا أنجبت يذهبون لبعض الكبار يخبرونهم حتى يحفظوا التواريخ ، ولكن وبعد مرور السنوات عندما يعودون لسؤالهم ثانية عن السنة التي ولد فيها فلان ابن فلان فلا يتذكرون، الا أنه عندما ذهب للعمل في جزيرة داس عام 1967م قام أحد الموظفين الإنجليز بتسنينه بحوالي 11 سنة.




================================




ليست هناك تعليقات: