٢٨‏/١١‏/٢٠٠٨

فالح حنظل .. سفر مستمر للبحث عن التاريخ واكتشاف البشر




والولايات المتحدة الأميركية هي اكثر البلاد التي يعشقها الدكتور فالح حنظل الباحث في تاريخ وتراث الأمارات والدول الخليجية ويقول: نيويورك عاصمة الدنيا، ونيوجيرسي يتواجد بها عدد كبير من المهاجرين العرب خاصة اللبنانيين، وتمتاز أميركا بالجمع بين خليط كبير من الأجناس المتعددة الثقافات والحضارات، وهي بلد الحرية والديمقراطية، زرت الجانب الشرقي كله، وتعددت زياراتي الخاطفة للجانب الغربي، أحببت فلادلفيا، بوسطن، واشنطن، ميامي، وعشت كثيرا في اوهايوا حيث درس ابني فنار.

وتعد المملكة المتحدة وتحديدا العاصمة لندن هي البلد الثاني الذي احبه، وذلك لكثرة تواجد مراكز الثقافة والفكر الأنساني واذا كانت نيويورك هى عاصمة العالم من حيث تنوع الشعوب والأعراق فلندن عاصمة العالم من ناحية الثقافة، تعرفت هناك على الأديان المتعددة اليهودية، البوذية، البهائية، الديانات الهندية، المسيحية، حتى الماسونية أستطعت التعرف عليها عن قرب من خلال محافلهم هناك ، وعندما ذهبت هناك لدراسة الدكتوراة في الدراسات العربية والأسلامية من جامعة أكسيت ، كان علي أن أذهب الى أماكن اصحاب تلك الديانات كي اعرف كيف يفكر الأخرون .

بلاد فوق سطح القمر... ويواصل الدكتور فالح حنظل أما البلدان التي زرتها وشعرت وكأنني اسير فوق سطح القمر ، حيث اختلطت على الرؤية والمناظر، ولأنني أيضا كنت مختلفا عنهم حيث كانوا يرونني عملاقا بالنسبة لهم هي الصين ،هناك كل شيء يختلف عما اعتدت عليه، البنايات ، الشوارع، نمط الحياة، الفواكه، الخضروات، الطعام، العادات والتقاليد. أتذكر أن طفلا كان بصحبة والدته كان ينظر الي ويشير الي بيديه وكأنه يقول من أين آتي هذا العملاق الضخم، والحقيقة أنني وجدت الصين واليابان بلدين يختلفان كلية عن البلاد التى زرتها، لاتوجد لديهم ناطحات سحاب كأميركا لأنهم مازالوا يحافظون على نمط المعمار ببيوت صغيرة حمراء بمظلة ذات شكل تقليدي تدلل على حضارتهم الخاصة.

وشعب اليابان من أنظف شعوب الأرض على الأطلاق، حتى مترو الأنفاق في طوكيو أنظف من أفخم قاعات الفنادق الأكثر فخامة وشهرة في العالم، ومن أجمل الأشياء التي شاهدتها أن لكل مؤسسة أو شركة أو بنكا زيا معينا للعاملين فيه، وعندما تسير في الشارع في الصباح، تجدهم يتوجهون بنشاط الى أماكن أعمالهم بأزياء يغلب عليها ألوان معينة تخص أماكن عملهم، وكأنهم في أستعراض عسكري منظم، وعندما يذهب الشخص لمراجعة اية مؤسسة حكومية، في طابق من احدي البنايات لا يجد فرقا بين مدير وفراش فالكل متواجد في مكان واحد بنوع من الانضباط والتنسيق يذكرني بأيام كنت ضابطا في الجيش العراقي.
وينتقل الدكتور حنظل الي باريس قائلا: أحس فيها بمشاعر من نوع خاص جدا، تأسرني بجمالها وليلها الرمادي، وهناك تشتعل العاطفة، وأفكر بالجمال، لقد ذهبت هناك لأول مرة عام 1962م، وقتها كنت خارجا لتوي من السجن في العراق بعد قيام الثورة التي وضعتني في المعتقل لأنني كنت ضمن حرس الملك.
ولم تكن لدي أموال كافية حتى لأدنى مستوى من المعيشة، وسكنت في حي الكاريلا (الحي اللاتيني الوجودي)وهناك فهمت الفلسفة الوجودية على حقيقتها وليست كما يعتقد البعض وكانها مسألة غير أخلاقية، لكن نتاجها الحقيقي الفكري في الرسوم والصور، والأدآب ، وهناك تعرفت على فرانسوا ساغان ، والحقيقة لابد ان اذكر هنا أن كثيرا من الشعراء العرب حاولوا تقليدهم الا أنهم فشلوا الا أدونيس فقد اجاد وقلدهم تقليدا غير عادي.
وأكثر المشاهد التى أعجبتني ذلك الشحات العجوز الذي يفترش الأرض وأمامه قنينة خمر، وهناك من معالم الشحادة أن يكون الشحات سكرانا، ورأيت أيضا أولئك الرسامين الذين يعيشون في الطرقات ويرسمون على الأرض، ويبيعون كتبهم ايضا وهم يجلسون على الأرض، ومنهم من يعيش في ربع غرفة ويأكل وجبة واحدة في اليوم ، أتذكر أنني ذهبت لأتعلم الفرنسية في إحدى الجامعات في الحي اللاتيني.
وتعرفت على طالبة فرنسية ودعوتها بالآشارة على الغذاء، واخترت المطعم الأغلي بالنسبة للطلاب حيث تكلفة الفرد 3 فرنكات، اي أغلي نصف فرنك عن الأخر، وفوجئت بالفتاه تخرج من حقيبة يدها قطعة من الخبز وبصلة قامت بتقطيعها ، وعندما سألتها عما تفعل قالت :ربما لا اشبع فاحضرت معي مزيدا من الطعام حتى تمتلئ معدتي، وآثارت ضحكي بتصرفها، الا أنه فيما بعد أثار تقديري. ويواصل الدكتور حنظل حديثه قائلا: أما بومباي فمدينة لم ترق لي مطلقا، فأكثر من نصف مليون هندي ينامون في الشارع.
وفي الصباح يذهبون الى شواطيء البحر ليقضوا حاجتهم، لذلك لم تعجبني مطلقا من ناحية النظافة، ومن اعاجيب مازرت في الهند مدينة بونا ويأتي اليها السياح من كل مكان في العالم، ويأتي اليها طلاب المدارس والجامعات في رحلات ليشاهدوا لوحات مرسومة على الجدران فيها الكثير من الإباحية، وللوهلة الأولي يعتقد الغريب أنه مكان غير أخلاقي، الا أنني عندما سألت القائمين على هذا المكان أجابوني أن المرسوم يعبر عن بداية خليقة الأنسان وتواجده وتكاثرةوهو أمر طبيعي.
أنا وعبد الحليم حافظ
ولزيارة مصر العروبة كما يقول د.حنظل حكاية بدأت عندما كان في جنيف عام 1963م، فسمع اشخاصا يتحدثون العربية، وعندما التفت ليراهم فاذا به الفنان عبد الحليم حافظ فقام بتعريفه بنفسه، فضحك حليم قائلا (فيه حد في الدنيا أسمه حنظل؟)وبدأ يداعبه بسخرية طيب يافاشل (أي العكس من فالح ) وقال له طالما أن اسمك يضم جميع العجائب سأسميك الخرتيت لأنه أسم أتعس من أسمك و يليق بهيئتك وضخامتك، ومن هنا بدأت صداقتهما سويا، ويقول الدكتور حنظل ثم جاء عبد الحليم حافظ مع سعاد حسني الى بغداد بعد ذلك ، اتصلت به وقلت له أنا الخرتيت، فدعاني للحضور اليه بأقصي سرعة، ورافقنه أنا وزوجتي طوال مدة أقامته في العراق، وطوال الوقت كان يغني أغنية أم كلثوم أنت عمري وترد عليه سعاد حسني.
وتصادف أن ذهبت الى مصر وأتصلت أيضا به وقلت له الخرتيت في القاهرة، فسعد بوجودي ودعاني الى منزله، والحقيقة أنني وجدت (حليم) يتمتع بمكانة أجتماعية تفوق الوصف،حتى أنه يرحب به في كل مكان يذهب اليه وكأنه رئيس دولة، وهناك ذهبت الى الأسكندرية وكانت المصيف الوحيد الذي لايقارن به أي مصيف آخر في العالم ،حيث الشوارع وكأنها مغسولة بماء الورد. ويواصل حنظل قائلا :
كذلك عشقت بيروت لكن قبل الحرب، هناك يعيش الفرد عالم الشرق والغرب معا، أتذكر أنني رأيت برجيت باردو في مطعم الكاف دروا، وذهبت الى شارع الحمراء شانزليزيه الشرق، وكان كل شيء هناك يدلل على الرفاهية، أما بعد الحرب فقد تحولت الدنيا فلايوجد مكان الا وعلامات الخراب والدمار فيه، وأصبح الكاف دروا كراجا لتصليح السيارات ، واصبحت بيروت كملكة جمال تشوهت بماء النار.
لاهور مدينة أسطورية
أما أيطاليا فهي تذكرني بالشرق العظيم ،فالشعب قريب كثيرا للعرب في أسلوب حياته، والعائلة الأيطالية تحب الأكل فهم أكثر شعوب أوروبا اهتماما بالطعام، يأكلون الأرز والمكرونة والخضار واللحوم والأسماك بكثرة، حتى أن المرأة الأيطالية تشبه العربية في مقاييس جسدها، وهناك يمكن أن تري البطيخ يباع على العربات في الشوارع، وتري الغسيل منشورا في البلكونات.
ولأسطنبول مكانة خاصة في قلبي فوالدتي تنحدر من اصول تركية، وكنا نذهب دائما الى بيت عائلتها في اسطنبول حيث الحضارة الأسلامية القديمة متمثلة في المتاحف والجوامع والبناء، واسطنبول شديدة الشبه بالأسكندرية.
كذلك زرت باكستان زيارة ملكية بصحبة ملك العراق السابق، ومن المدن التى لاتنسي لاهور وهي مركز علمي أسلامي، وهي مدينة أسطورية محاطة بسور عجيب وتقع على مرتفع كبير، وبها مساجد وقباب جميلة .
وزرت اسبانيا موفدا من وزارة الأعلام والثقافة الأماراتية، وقمت بعمل فيلم عن آثر العرب في أسبانيا، وأخذت عنه جائزة، والحقيقة أن الآثار الأسلامية موجودة بكثرة هناك، أما البرتغال فقد تكررت زياراتي لها بسبب كتابي الذي قمت بتأليفه عن العرب والبرتغال في التاريخ، وفي لشبونة أكملت دراساتي وقمت بعمل أبحاث عن الرحالة أحمد بن ماجد وعلاقته بالبرتغاليين، ومازال الحي العربي هناك بعد احتلال دام 800 سنة، لكن هناك فرق بين ماحدث في غرناطة الأسبانية ولشبونة البرتغالية.
حيث تواجدت محاكم التفتيش التي حرقت المساجد، وهناك ساحة كانوا يحرقون فيها المسلمين واليهود بتهمة الهرطقة، ورغم وجود عدد كبير من المساجد الأموية الأندلسية في لشبونة الا أنها وللأسف الشديد تحولت الي بارات ومصانع لعصير الخمر وأسطبلات، ومن هنا قمت بتأليف كتابي 1000عام من الأحداث، دخل العرب فيها البرتغال 500 سنة، ثم لحقونا واحتلوا المغرب، وجنوب شبه الجزيرة العربية، ومسقط، واحتلوا جزر الأمارات، ووصلوا البحرين، ثم البصرة وتحالفوا مع الشاه، وكان للمصريين دور كبير ومهم في قتال البرتغاليين، وهذا الدور لايعرفه أحد، فقنصوة الغوري أول من تصدى للبرتغاليين، ودخل المصريون عدن واحتلوها وبدأوا يقاتلون البرتغاليين، وقضوا عليهم حتى انتهت أسطورتهم في المغرب العربي.
إضاءة
ــ الدكتور فالح حنظل من مواليد مدينة بغداد في العراق
ــ مقيم في الامارات منذ عام 1969
ــ ابتدأ حياته العملية ضابطا في الجيش العراقي ، وكان من رجال الحرس الملكي عندما قامت ثورة الرابع عشر من يوليو عام1958 التي أطاحت بالملكية في العراق، فترك الجيش على اثرها.
ــ أنهى دراسة عالية في الادارة الصناعية في جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الامريكيةألا.
ــ حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية والاسلامية من جامعة اكسيت المتحدة.
ــ عضو في عدد من المنظمات التاريخية والثقافة، وله العديد من المؤلفات والأبحاث والكتب المهمة.




+++++++++++++++++++++




منشور في جريدة البيان

ليست هناك تعليقات: