١٤‏/١١‏/٢٠٠٨

قرية التراث في أبوظبي.. عبق الماضي يعطر الحاضر



هنا في أبوظبي وتحديدا في منطقة كاسر الأمواج يمكنك أن تعيش أجواء الماضي بكل مافيه من بساطة لا نعرفها نحن هذه الأيام، فقرية التراث نموذج للحياة قبل ظهور النفط، من حيث البيوت المصنوعة من سعف النخيل، والأسواق بدكاكينها الصغيرة، والصناعات التقليدية التي كان يتقنها الأجداد، وحياة البر بمساعدة الابل، والحياة الزراعية، والبحرية، وغيرها من معطيات الواقع آنذاك.

حقا عظماء... نتجول خلالها ونطلق العنان لخيالنا لنعيش الحلم في الماضي، ونذكر الأجداد بالخير، ونتأكد جيدا أنهم كانوا عظماء، أما لماذا كانوا كذلك فالإجابة واضحة فقد عملوا وصمدوا واستطاعوا بالقليل الذي لديهم أن يصارعوا الحياة من أجل البقاء. نعم كم هو عظيم من ذهب الى البحر لمصارعة أهواله من أجل صيد السمك أو الغوص لجلب اللؤلؤ، وكم هو عظيم ذلك الذي صبر على حر الصحراء وندرة الماء، وكم كانت عظيمة أيضا تلك المرأة التي كانت القائد في غياب زوجها، وخرجت هي الأخرى للعمل، دون انتظار عودة عائل الأسرة من البحر، تؤدي واجبها ومسؤوليتها تجاه صغارها دون كلل أو ملل، لقد اجتهدت وعملت داخل منزلها وأجادت صناعة التلي والسدو والأدوات المصنوعة من سعف النخيل وخرجت لتبيعها حتى تنفق على بيتها وأولادها.

نعم كانوا عظماء، فلم تكن لديهم بيوتا تحميهم من العواصف والرمال والأمطار، ولم يكن لديهم كهرباء تحول ليلهم إلى نهار، وحرارة الطقس الى شتاء لطيف. لم تكن لديهم أطباء يهرعون إليهم وقت المرض ولا مستشفيات لاجراء الفحوصات والجراحات. لم تكن لديهم مدارس ولا جامعات تعلمهم، ولم تكن لديهم سيارات ولا طرق ممهدة تقصر عليهم المسافات. بل كان عليهم التنقل والسفر اياما طويلة على ظهور الجمال، وقد يتعرضون الى قطاع الطرق أو يمرضون فيموت منهم من يموت، ويعيش من كتب الله له النجاة. والآن وبعد أن تغيرت الدنيا وأصبحنا نعيش زمن الوفرة المادية والرفاهية، كان لابد أن يتعرف أولادنا على تراث أجدادهم وعراقة الماضي والنهضة التي نعيشها في الدولة، فالقرية تمثل مكانا يستدل منه الصغير على حجم الحضارة والتقدم اللذين تنعم بهما الامارات ومنطقة الخليج حاليا، وما كان يقابلها من صعوبات فى حياة الاباء والاجداد. هذا الاختلاف الجذري الذي يجب أن يحفزهم على التمسك بالقيم والموروث الشعبي ليتواصل العطاء من جيل الى آخر.

الحياة في الماضي... وفي القرية يمكن أن يتعرف الزائرون على حياة البيئة البرية من بيوت العين والشعر واليواني والعريش والحظيرة وهي نماذج متعددة لبيوت أهل البر حسب المناطق والسكان ومتطلبات الطقس وتنوع الاستخدامات مثل النوم والجلوس ومستلزمات الضيافة العربية من دلال القهوة وغيرها، وبيوت أهل البحر من الصيادين. فقد غطت بـ (اليزايا) المصنوعة من سعف النخيل، وتعلوها (البراجيل) ليدخلها الهواء البارد مهما كانت حرارة الطقس، وفي البيئة الزراعية يمكن مشاهدة نظام الري (اليازره) السائد وقتها والبئر الذي تؤخذ منه المياه بواسطة دلو ليصب في الأفلاج التي تشكل قنوات الري. وفي جولة في المشغل النسائي نتعرف على الأدوار الأضافية التي كانت تقوم بها النساء حيث يغزلن الصوف ويقمن بعمل قطع جميلة بألوان بديعة من النسيج تستخدم في البيوت، كذلك يصنعن من سعف النخيل أدوات جميلة واساسية في البيوت كأغطية الطعام والمهفات والأسرة وغيرها.
السوق الشعبي
ويمكن للزائر أيضا أن يتجول بين دكاكين السوق الشعبي، ويمكنه اقتناء ما يعجبه من معروضات تراثية مصنوعة بالطرق الحرفية واليدوية، من زجاج وفخار ونحاس وخشب، كما يضم السوق أيضا دكاكين للحبوب والعطارة.
وفي معرض السوق الشعبي يمكنك مشاهدة جميع البضائع المعروضة.
ويمكن من خلال المتحف الكبير الذي تضمه القرية التعرف على أدق تفاصيل الحياة اليومية من أدوات زراعية وأسلحة وأدوات للصيد ودلال القهوة والأزياء الفلكلورية وأدوات الزينة والحلي الخاصة بالمرأة، وصورا تجسد مراحل الحياة في الدولة ونسخ من المصحف الشريف مكتوبة بخط اليد ومجموعة من المسكوكات الإسلامية الفضية والبرونزية والورقية. وفي القرية مسجد بني على الطراز المعماري القديم، ومقهى تراثي يقدم المأكولات الشعبية.
ومنطقة أثرية تضم بعض الآثار المكتشفة في أم النار والهيلي وجرن بنت سعود، وتوجد أيضا منطقة خاصة لألعاب الأطفال، كما يقام بالقرية مهرجان أسبوعي للتراث يهدف الى تثقيف الزائرين وتعريفهم بالتراث وارتباطهم به من خلال المسابقات والجوائز والفعاليات التي تقدمها فرق الفنون الشعبية، وتقدم العديد من العروض للهجن والخيول والصقور وتحضير الحلويات الشعبية، وتخضيب الأيدي بالحناء والرسم بالرمل الملون للأطفال.
شهادات زوار
تقول الزائرة ماجدة حسن إنها تحرص على حضور الفعاليات التراثية مع أولادها الذين يشاركون في المسابقات، وخاصة التي تجري يوميا خاصة في شهر رمضان، وهم يفرحون كثيرا بالجوائز التي تقدم لهم. وأكدت جيسي ليني، وهي أسترالية، أن الجو التراثي في القرية يعجبها كثيرا، ويسعدها مشاهدة الرقصات الشعبية والأغاني المصاحبة لها على إيقاع الطبول رغم أنها لا تفهم المعنى.
أما هند حمد، وهي طالبة في المرحلة الإعدادية، فتشير إلى أنها زارت القرية لأول مرة خلال رحلة مدرسية ولكن بعد ذلك أصبحت تتردد عليها كثيراً بمصاحبة والدتها واخوانها، ويعجبها مشاهدة حياة أجدادها في الماضي وكيف كانوا يعيشون حياة بسيطة جدا، وتحمد الله لرؤيتها التطور الذي شمل كافة مناحي الحياة في الإمارات.




ليست هناك تعليقات: