١١‏/١٠‏/٢٠٠٨

في مواجهة المرض الخبيث.. تفاءلوا بالخير تجدوه




أخذت لنفسها مقعدا يقترب من باب حجرة طبيبة الأشعة، ودون قصد تسللت إلى أذنيها بعض قصص النساء مع هذا المرض اللعين، بعضهن أجرين عمليات استئصال للصدر منذ عدة سنوات وشفين من المرض والبعض الآخر مازال ينتظر رحمة الله سبحانه وتعالى وهن يتابعن العلاج.
ومع توالي تلك القصص شعرت ببعض القلق، فأمسكت ببعض الكتيبات التي منحوها إياها في المركز للكشف المبكر عن سرطان الثدي، أعراضه، مراحله التي تبدأ بعلامات في الثدي يجب أن تكتشفها المرأة بنفسها من خلال الفحص الذاتي، وإرشادات بسرعة التوجه إلى الطبيب المختص لمواجهة هذا المرض الخبيث والقضاء عليه مبكرا قبل أن ينهش الجسد.
تجهمت قسمات وجهها وهي تتذكر ما مرت به العام الماضي عندما حاصرتها تعليمات الطبيب الذي نصحها بإجراء بعض الفحوصات لأنه يشك في إصابتها بسرطان المثانة، وكيف أنها واجهت أياما عصيبة حتى ظهرت نتيجة التحاليل التي بشرتها بأنها سليمة وجسدها معافى من هذا المرض اللعين.
إلا أن ما حدث لها منذ أسبوع جعلها تشعر أن هناك خطرا قادما يتربص بها، وأنها عندما نجت من هذا الوحش العام الماضي، عزت عليه نفسه وقرر أن ينتقم لكرامته ويلاحقها هذا العام، فلم ترتح مطلقا لتعليقات الطبيبة عن الأشعة التي أجرتها لفحص الثدي والتي أخبرتها عقبها أن هناك ورما داخليا ورغم أن الأشعة تؤكد أنه ليس خبيثا إلا أنه لابد من استشارة الجراح، وهذا ما تم بالفعل إلا أن الجراح حولها إلى مركز طبي حكومي يتابع حالات سرطان الثدي.
اتجهت باكية تخبر زوجها عما حدث في ذلك اليوم وأخبرته انها تشعر بدنو الأجل، إلا أن زوجها هدأ من روعها وأخبرها ألا تتعجل الأمور وعليها الانتظار حتى إجراء الأشعة ومعرفة النتيجة.
وتشابكت أفكارها وهي تتذكر ما تراه يوميا على شاشة التلفاز في مستشفي سرطان الأطفال في مصر، وحالات الأطفال التي تدمي القلوب والذين تضخمت أجسادهم وسقط شعر رأسهم إثر العلاج الكيمائي، وتساءلت كيف انتشر هذا المرض الخبيث ليهاجم دون رحمة الصغار قبل الكبار؟
لابد أن هناك مخططا لإفناء الجنس البشري، التلوث يحيط بنا في كل مكان إذا لم يكن بسبب الحروب، فبسبب الأجهزة التي تحيط بنا وتعتمد على الأشعة، والإلكترونيات نستعملها في كل دقيقة من يومنا، فمن منا لا يمر على تلك البوابات الإلكترونية؟، ومن منا لا ينام وبجوار رأسه الهاتف الجوال، ومن منا لا يجلس بالساعات أمام شاشة الكمبيوتر؟، ومن منا لا يأكل تلك الأغذية المحفوظة؟، ومن منا يعرف المصدر الحقيقي لتلك الأغذية وهل بها مواد متسرطنة أم لا؟
تحاصرنا في كل وقت شكوك الأطباء والعلماء عن سبب زيادة نسبة الإصابة بالسرطان في العالم، ولم يتركوا لنا شيئا إلا وقالوا إنه يسبب الإصابة بهذا المرض اللعين، حتى مجفف الشعر قالوا إنه يسبب السرطان.
ابتسمت قليلا وهمست لنفسها، ربما علينا أن نعود لنعيش حياة بدائية، فنعتمد على الطبيعة في كل أمور حياتنا، وقتها فقط سننعم بصحة خالية من الأمراض.
وفي دورها المحدد استسلمت للإجابة عن أسئلة الطبيبة عن السن والتاريخ المرضي للعائلة، وهل هناك إصابة سابقة لأحدهم بالسرطان، وجاءت إجابتها جميعا بالنفي، ثم بدأت الطبيبة تشرح لها كيف سيأخذون عينة لفحصها وستظهر النتيجة بعد 3 أيام، وأن الطبيبة ستقوم بالاتصال بها في كل الأحوال.
عادت إلى المنزل وقررت ألا تستسلم لهذا المرض اللعين، وتذكرت بعض بطلات الأفلام الأجنبية وبعض القصص الحقيقية لتحدي ومحاربة هذا المرض، وقررت أن تتحداه هي الأخرى وألا تستسلم له مهما كلفها الأمر.
وبدأت بالفعل بعض الخطوات الإيجابية، ذهبت إلى صالون التجميل وغيرت طريقة تصفيف شعرها، واتجهت إلى محل الزهور واشترت بعضا منها وضعتها في مزهرية عندما عادت إلى المنزل، وعلى مائدة الغداء تحدثت مع زوجها وأولادها بطريقة مرحة ربما كانت مصطنعة إلا أنها تعمدتها، وانتهت العائلة من غدائها دون أن تخبرهم ما حدث معها هذا اليوم.
وسارت الأمور بتلك الطريقة وكأنها لا تنتظر شيئا قد يهدد حياتها بعد أيام قليلة، وفي كل دقيقة تمر عليها تؤكد لنفسها أنها قوية وتستطيع مواجهة ما سيحدث بالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وبشيء من العزيمة وقوة الإرادة.
بعد خمسة أيام تقريبا استيقظت على رنين هاتفها الجوال، شعرت ببعض الانقباض عندما عرفتها المتصلة بأنها طبيبة المركز، إلا أنها عادت بسرعة البرق لتتماسك، ومرت الثواني بطيئة وكأنها الدهر كله، ارتجف جسدها والطبيبة تخبرها أن الورم حميد وأنها خالية من هذا المرض وعليها أن تأتي للمركز لاستلام التقرير والأشعة، زغرد قلبها وهي تشكر الطبيبة التي أكدت لها أنه لا داعي لإجراء هذا الفحص الروتيني إلا بعد عامين.
وعندما أخبرت زوجها بما حدث قال لها حقاً (تفاءلوا بالخير تجدوه).
========================

ليست هناك تعليقات: