٠٣‏/٠٣‏/٢٠٠٩

نصب الديجيتال جرائم عابرة للقارات



أسهم التطور في عالم الإنترنت في تنامي نوع جديد من جرائم النصب والاحتيال الإلكتروني، والذي يعد نوع من الجريمة المنظمة، حيث تطور المجرمون مهنيا وتقنيا في العصر الرقمي وأصبحوا تحديا جديدا يواجه الأمن، وتتمثل إشكالية جرائم الإنترنت في قدرتها على التنقل بحرية عبر الحدود والدول، كما أن اختلاف القوانين بين الدول أو تخبطها يشكلان أيضا ثغرات تتسلل عبرها الجرائم.

الخبير الإعلامي أحمد جعفر واحد من الذين استهدفتهم تلك العصابات، فأرسلوا له دعوة بالإيميل للمشاركة في مؤتمر في واشنطن تحت عنوان «مكافحة العنصرية والاتجار بالبشر» مؤكدين اختياره بعد البحث في قائمة المنظمات الإنسانية والإعلامية المهتمة بتلك القضايا.يقول جعفر: اخبروني بأنه تم ترشيحي كأفضل كاتب وناشط في قضايا مكافحة العنصرية وحقوق الإنسان، وأن المؤتمر يتناول محورين الأول مكافحة العنصرية وسيناقش في واشنطن، والثاني عن الاتجار في البشر وسيناقش في مؤتمر السنغال وأرسلوا لي موقع المؤتمر على الإنترنت وفيه كافة التفاصيل.وأضاف: أرسلت لي سكرتيرة عضو الأمانة العامة للمؤتمر رسالة قيد، وطالبتني بإرسال بيانات خاصة بي في حدود 50 كلمة، وصورة من جواز السفر وصور شخصية، وأرقام الهواتف الخاصة بي.
وجاءني الرد بعد أسبوعين يخبرني بأن البيانات تم إدراجها وموقفي سليم ولا مانع من مشاركتي في المؤتمر مؤكدين أن المؤتمر في واشنطن سيكون على حسابهم بالكامل، أما باقي المؤتمر والذي سيعقد في السنغال فسوف أتحمل تكلفة الإقامة في الفندق كنوع من التأكد من جديتي في الحضور لواشنطن.ومنحوني ثلاثة أسماء لفنادق في السنغال وطلبوا مني ما يعادل 1000 درهم، حولتها لهم وأرسلوا لي إشعار الاستلام، وتم تحديد اسم الفندق ورقم الغرفة.
ثم أرسلوا لي استمارة تأشيرة أمريكا لتعبئتها وإرسالها لهم لاتخاذ اللازم، مشيرين إلى أنني سأتلقى في وقت لاحق التأشيرة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الإمارات، وانه نظرا لحساسية الموضوع فقد تعاقد المؤتمر مع مكتب المحامي «ديفيد كوهين» للشؤذون القانونية والهجرة في واشنطن لمتابعة الأمر معه، وأرسلوا جميع أرقام هواتف هذا المكتب.
النصب باسم 11 سبتمبر
وطبقا للإجراءات القانونية المتبعة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر لابد من «تأمين على الحياة» على كافة الزائرين، وتأمين على الحقائب وتأمين صحي، غير وثيقة التأمين التي تدفع مرة واحدة وتسترد قيمتها عند مغادرة السنغال، وهي ب«1200» دولار سترد منها الف دولار.
وقمت بإرسال المبلغ، وقبل 3 أسابيع من بداية انعقاد المؤتمر أرسلوا لي ثانية بأنه تم التأكد من سلامة البيانات عن طريق مصادرهم في الإمارات ومصر، ونظرا للشروط المتشددة في واشنطن بضرورة عدم إبقاء زائرين بعد انتهاء المؤتمر عليه أن يدفع «800» دولار للتأكد من تغطية أية نفقات أو مفقودات هناك.
ويضيف جعفر: وهنا بدأت علامات الاستفهام تدق في رأسي فلم يكن طلب هذا المبلغ الأخير مقنعا كسابقيه، واتصلت بالسفارة الأمريكية للتحري عن الأمر، وجاءت الإجابة بأن هناك فعلا مؤتمرا بهذا الاسم والتوقيت في واشنطن، فشعرت ببعض الطمأنينة، واتصلت ببعض الأصدقاء في أمريكا وأخبرتهم عن الموضوع، فأخبروني أن مكتب المحاماة ليهودي ومن أكبر النصابين في أمريكا، ومدان بالعديد من القضايا.
فاتصلت بمكتب المحامي المذكور فأجابت السكرتيرة أنه لا علاقة لهم بهذا الموضوع، وأن هناك من استغل أرقام هواتفهم ليعطي مصداقية لكلامه، وأنها تلقت اتصالات عديدة من أشخاص تعرضوا لمثل هذا الموقف، وطالبته بعدم تحويل اية مبالغ أخرى، وكان قبل ذلك عندما يتصل بأرقام هاتف الفندق في السنغال كان يرد عليه صوت باسم الفندق ويؤكد له الحجز وتاريخه ثم اتضح فيما بعد انها هواتف لأفراد من ضمن شبكة النصب والاحتيال.
أفضل إيميل
ويقول المهندس السيد احمد السيد: أتت لي رسالة تخبرني بأن موقع بريد ياهو أختار بريدي الالكتروني كأفضل إيميل يمتلك الحركة على مستوى الشرق الأوسط وفزت بمبلغ (300) ألف جنيه إسترليني، وعلي إرسال «200» دولار فقط لتسهيل إجراءات الدخول لاستلام المبلغ، وإيميلات أخرى كثيرة تتبع نفس أسلوب النصب مثل أن هناك زعيما افريقيا سقطت به الطائرة وترك مبلغا كبيرا أوصى بإنفاقه في أعمال الخير واختاروني لأخذ هذا المبلغ وصرفه على المحتاجين إلا أنهم يطلبون «500» دولار لتحويله والحقيقة مع كثرة تلك الإيميلات أصبحت أقوم بحذفها قبل قراءتها.
نصب باسم الحب
محمد طالب جامعي تعرض لعملية نصب عن طريق الحب، فقد تعرف على أحد الفتيات أدعت أنها أمريكية وأنها تعرف الكثير عن الإسلام وأنها ترغب في إشهار إسلامها والزواج من مسلم عربي، ثم بعد فترة تغيرت أحوالها وبدت حزينة وإذا حادثها تظل تبكي وترفض الإفصاح، ولكن بعد إلحاح منه أخبرته أنها تحتاج لبعض المال لعلاج والدتها، فأرسل لها المال من مدخراته الخاصة، وفي نفس الأسبوع تيقن أن الفتاة مارست تلك اللعبة مع عدة شباب عرب آخرين.
احتياطات لاختراق الأيميل
خالد خميس بخيت، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للإنترنت، رئيس مجلس إدارة الإتحاد العربي لجمعيات الانترنت العربية، يقول: ضحايا النصب والاحتيال الإلكتروني هم راغبو المكسب السريع والسهل، وهناك شركات للأيميل مثل ياهو لديها خدمة شراء الأيميلات ويستغلها محترفو النصب الإلكتروني للإيقاع بضحاياهم ويختارون الإيميلات من البلاد العربية على سبيل المثال لممارسة جرائمهم، وهناك من يستطيعون اختراق الأيميلات بعمل صفحات مشابهه لأيميلات الياهو والهوت ميل تطلب من المستخدم وضع بياناته، أو عن طريق برامج خاصة للاختراق وهي تمنح تخمينات لعدة أرقام سرية للأيميل المرغوب اختراقه.
لذلك لابد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة وعدم الوقوع في فخاخ المحتالين بتنزيل برامج الحماية والمضادة للفيروسات، وتغير كلمة السر من حين لآخر على أن يكون قويا، واختيار الإجابة على السؤال السري على ألا يكون معروفا لأحد.
ويضيف خميس: ويوجد لدينا في الإمارات قانون للجرائم الإلكترونية يحتوي على 27 مادة لم يتم تفعيلها بعد، ونحن في مجموعة الإمارات للإنترنت لدينا حملة توعية عن مخاطر وجرائم الإنترنت بشكل عام تتضمن أسئلة توعية ونصائح.
المقدم الهنائي: تطور المجرمين مهنياً وتقنياً تحدٍ جديد يواجه الأمن
ويقول المقدم إبراهيم حمد سالم الهنائي، رئيس قسم الجريمة المنظمة في القيادة العامة لشرطة ابوظبي: إن جميع الناس الذين يستخدمون الانترنت معرضون لجرائم الكومبيوتر، وتطور المجرمين مهنيا وتقنيا في العصر الرقمي أصبح تحديا جديدا يواجه الأمن، وذلك لأن تقنية الجريمة بآلياتها لا تكتشف في أحيان عديدة إلا بعض القبض عل المتهم، والأمن دائما يسعى إلى الوقاية، كما أن إشكالية جرائم الإنترنت تتمثل في قدرتها على التنقل بحرية عبر الحدود والدول، كما أن اختلاف القوانين بين الدول أو تخبطها يشكلان أيضا ثغرات تتسلل عبرها الجرائم.
وتصنيف الجريمة الإلكترونية بأنها من الجرائم المنظمة، والتي تعرف بأنها عبارة عن التقاء إرادة أكثر من ثلاثة أشخاص لارتكاب نوع من الجرائم بشكل مكرر ومنظم، وهي ايضا جريمة حديثة وغير تقليدية يلعب الكومبيوتر دورا كبيرا فيها، ويعاقب مرتكبي جرائم الانترنت في الإمارات حسب قانون رقم 2 لعام 2006، وهناك اتفاقيات بين الإمارات ودول عديدة للتعاون الأمني في هذا المجال، ومن خلالها استطعنا الوصول الى المجرمين خارج الدولة وتوجيه التهمة له في بلده.
رسائل وفوز بالملايين
وتتعدد أشكال النصب الالكتروني، منه على سبيل المثال رسائل بأسماء البنوك للمستخدمين تخبرهم بفوزهم في سحب ما، أو تطلب منهم إعادة إدخال بياناتهم، أو رسائل باسم مواقع البريد الالكتروني تعلن عن اختيار صاحب الإيميل بالفوز بملايين الدولارات، أو الفوز بوظيفة في شركة لها مكانة عالمية، أو الفوز في سحب عشوائي، أو الاشتراك في مؤتمرات عالمية وغيرها.
ويضيف المقدم الهنائي: دعونا نتساءل أولا من أين يأتي هؤلاء المجرمون بالمعلومات الخاصة بالأفراد الذين يستهدفونهم؟، والإجابة واضحة فالشخص هو الذي يدل على نفسه ويمنحهم المعلومات الخاصة به من خلال صفحته على الفيس بوك، أو موقعه الإلكتروني، أو مشاركته في المنتديات وغيرها من المواقع المتاحة للجميع على الإنترنت.
وتلجأ تلك العصابات الى التكنولوجيا لمخاطبة ضحاياها وإقناعهم، وذلك من خلال إنشاء مواقع متخصصة بهم على النت، فمثلا إذا كانت عملية النصب على الآخرين باسم المشاركة في مؤتمر عالمي مثلا، فستجد لهم موقعا فيه كل المعلومات عن المؤتمر وربما محاور المؤتمر والأوراق البحثية التي ستناقش فيها، والضيوف المحاضرون والبلاد التي ينتمون لها ومعلومات عنهم.
وعندما يرى الأشخاص الموقع فأنه يمنحهم انطباعا أنه في دولة مثل أمريكا أو بريطانيا والذي يحدث أن الموقع الأصلي يكون في بلد هؤلاء النصابين، إلا أن هناك مواقع أخرى يمكن استضافتها لهذا الموقع بمبلغ مالي معين، لذلك لا يمكن لأحد أن يتبين المكان الأصلي له، وعملية استضافة المواقع ومراجعة محتوياتها للتأكد من سلامتها غير موجودة اصلا، وذلك كله من اجل منح جريمتهم مصداقية لدي ضحاياهم.
وهناك من يروجون لمحافظ مالية وهمية ويكون لهم مجموعة وسطاء يروجون لها علي الشبكة العنكبوتية ليصطادون من يعتمدون على الإبهار وحلم الثراء السريع.
ولدينا مشكلة حقيقية في أن كثير ممن تعرضوا لعمليات النصب والاحتيال الالكتروني لا يعرفون انهم تعرضوا لعملية نصب بالفعل، فهم لا يلجأون للشرطة للإبلاغ عما حدث لهم لذلك لا يمكني إعطاء رقم أو إحصائية محدده تشير لحجم تلك القضايا، وقد يحجم البعض عن ذلك بسبب الخوف من إظهار الخصوصية وموضع السمعة، وهناك بعض البنوك التي تساعد نوعا ما في التستر على السرقات البنكية بسبب اختراق أنظمتها الرقمية ألأمنية السرية وتتحمل خسائر في مقابل عدم المساس بسمعة البنك أمام العملاء.
الأيميل الشخصي والأسرار
ومعظم القضايا التي تم الإبلاغ عنها كانت عن البريد الشخصي مثل القرصنة على البريد وسرقته والمساومة على أعادته ثانيا، أو الحصول على معلومات وصور وهنا الابتزاز يكون أكبر وغالبا الضحايا من النساء، فيبدأ المخترق مساومتها بطرق عديدة مهددا إياها أن لم تستجب بأنه سينشر مقطفات من تلك الأيميلات في المنتديات، وسيرسل الصور لذويها وهكذا، وبالفعل يأخذ مقطعا من الأيميل وينشره في أحدي المنتديات ويرسله لها ليؤكد لها أنه جاد فيما يفعل وتخضع للابتزاز، وهذا يحدث غالبا في العلاقات الشخصية والعاطفية وهي موضوعات شخصية للغاية.
ومن المعروف ان هناك مواقع تسمى ب«خلية العسل» أي أنها مواقع تعمل على جذب ضحاياها واستدراجهم، وهناك مواقع تطلب من زائريها وضع المعلومات الخاصة بهم لتسهيل دخولهم مرة ثانية، منها ما هو مجاز وصادق بالفعل، ومنها غير مجاز ويستخدم المعلومات هذه للقرصنة علي الزائر فيما بعد.
ويؤكد المقدم الهنائي: إنه من المفترض استخدام برامج للحماية من الفيروسات المتعددة، لأنه غالبا ما تزرع معظم المواقع المشروعة وغير المشروعة «كوكيز» للتعرف على عادات الزائر على الإنترنت، وأي المواقع يفضل دخولها؟ وذلك بغية استخدام تلك المعلومات في إرسال إعلانات ودعايات من الموضوعات التي تهم الشخص.
وغالبا المواقع غير المشروعة كالمواقع الإباحية عند تنزيل أفلام منها تزرع لدى المستخدم حصان طروادة أو غيره وهذا يتطلب زرع السيرفر او العميل وغيرها لتتحكم في الكومبيوتر والمعلومات الخاصة بالمستخدم، والسيرفر عبارة عن سوفت وير خاص للاطلاع على المعلومات ويرى كل ما يكتبه المستخدم على الكومبيوتر وغالبا يستخدمه الهاكرز، وللأسف ان هناك مواقع للهاكرز تعلم الزوار ومن يرغبون القرصنة على المواقع والأيميلات، وغالبا تكون للمراهقين الذين لا يقدرون المسؤولية الجنائية لهذا الموضوع ويعتبرونه تسلية.
ومن ضمن القضايا التي مرت بنا للنصب الإلكتروني كانت لامرأة تعرضت لعملية نصب عن طريق الأيميل الذي أرسل اليها ليبلغها بأنها ربحت 12 مليون دولار في سحب اللوتري في أسبانيا، وكان مطلوبا منها ان تدفع رسوم الجمارك فقط لتحصل على المبلغ، وأرسلوا لها المواد الوثائقية والشهادات التي تثبت فوزها بالمبلغ وأحقيتها بالحصول عليه، وبالفعل دخلت على موقع اللوتري الخاص بهم على النت.
وتأكدت من صحة المعلومات وأن الأموال مرسلة لها حقا من اسبانيا إلا أن الشحنة متوقفة في مطار ميونخ في المانيا لأنهم يطلبون 73 الف دولار كي تصل الى الإمارات، وسارعت السيدة بإرسال الأموال إلا أن المبلغ المنتظر تأخر وصوله إليها، فسافرت الى أسبانيا والباقي معروف وكانت الشحنة عبارة عن خزائن مملوءة بالأوراق المالية المزيفة.
وللأسف رغم حملات التوعية من الجهات الأمنية ووسائل الإعلام من تلك الجرائم إلا أنه مازال الناس يقعون ضحايا لهؤلاء.


==========


ليست هناك تعليقات: