٠٦‏/٠٣‏/٢٠٠٩

مصبح الكعبي أول شيف إماراتي


نعرف جميعاً أن أشهر الطباخين في العالم هم من الرجال، وأن أطيب المأكولات العالمية يقدمها لنا الطهاة المحترفون الذين نشاهدهم يوميا على شاشات الفضائيات يقدمون لنا أنواعا عديدة من الطعام الشهي، وهذا يعني أن الطبخ ليس حكرا على النساء فقط، بل إن الرجال سبقوا المرأة في هذا المجال واقتحموا مطبخها مؤكدين لها أنهم يستطيعون التفوق عليها في عقر دارها، ووجود طهاة رجال من العرب في فنادقنا أمر ليس بغريب، لكن المدهش في الموضوع أن يكون بين هؤلاء الطهاة طباخ إماراتي أحب الطهي منذ طفولته وتمنى أن يعمل طباخا في مجتمع يستنكر عمل الرجل الإماراتي كطاهٍ في المطبخ، إلا أنه ورغم معارضة الجميع من حوله ، لم يبالِ وتقدم مصبح الكعبي للعمل كطباخ واستطاع أن يحمل لواء المبادرة ليسجل التاريخ اسمه بأنه أول رجل إماراتي أستطاع أن يواجه المجتمع بشجاعة، ويعمل في مهنة يرفضها الناس من حوله حتى لو ظلوا بلا عمل.

يقول الشيف مصبح الكعبي والذي يعمل في المطبخ المحلي في مركز دبي التجاري العالمي: اعتدت على دخول المطبخ مع أمي وأختي وذلك لأنني أحب الطعام، فكنت أتذوق الأكل وأبدي رأيي فيه، وأحاول ابتكار أشياء جديدة، كذلك عندما كنت أذهب للتخييم مع أصدقائي أقوم بطهي الأرز واللحم والدجاج وأعد الشاي، وأقوم بكل شؤون الطعام بشكل عام، لكنني لم أعلم أنني أمتك موهبة الطهي وأنه سيأتي اليوم الذي احترف العمل به، حتى سنحت لي الفرصة أثناء زيارتي لقرية المعرفة في دبي وكانت هناك حوالي 250 شركة يعرضون الوظائف المتاحة لديهم للمواطنين، واتجهت إلى مجموعة فنادق جبل علي وطلبت أن أعمل ضمن الطهاة.

تعجب الجميع من رغبتي ولم يصدقوني في البداية، بل واعتقدوا أنني أمزح معهم، وعندما شعروا بأنني جاد فيما أطلبه، بدأوا يشرحون لي أن هناك فارقا كبيرا بين مطبخ الفندق ومطبخ المنزل، وحتى أحترف الطهي لابد أن أعيش حياة المطبخ العالمي بكل خصوصياته، فزادني حديثهم إصرارا على ما نويت، ومن شدة تعجبهم جعلوني أخوض 9 مقابلات ليتأكدوا من جديتي في هذا الموضوع، وفي النهاية نفد صبري وسألتهم إذا كانوا هم جادين في توظيفي أم لا؟.
تدريب أعقبه إختبار
وبالفعل أدخلوني للتدريب في المطبخ لمدة 3 شهور للاختبار، وهناك علمني الشيف باتريك وهو فرنسي، والحقيقة أنني أدين له بالفضل وأعتبره أستاذي الذي وضعني على بداية الطريق، فقد تقبلني بصدر رحب وكان يرد على كافة استفساراتي، وفي نهاية المدة قام بإجراء اختبار عملي لي، واجتزته بنسبة 87% وعندها قررت الشركة تعييني بمعاش ضئيل وهو أربعة آلاف درهم.
ويواصل الكعبي: واجهت في البداية معارضة كبيرة من بعض إخواني وأهلي وأصدقائي، بل إن نساء العائلة كن يبكين ويلمنني على ما سأفعله بنفسي، وقاطعوني ثلاثة شهور كاملة بعد أن رفضت نصائحهم بالابتعاد عن العمل كطاهٍ، وقلت لهم إنكم تتدخلون في حياتي التي أرغب في عيشها كما تحلو لي، إلا أنهم تراجعوا عن قراراتهم بحقي عندما أصبح الموضوع أمرا واقعا بل إنهم جميعا يحبون تذوق الطعام من يدي الآن .
ولم أكترث بقلة الراتب في البداية، لأنني وضعت لنفسي شعارا وهو أن العمل عبادة وأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وأنني بدأت أحقق طموحي بأن أكون شيفا إماراتيا له بصمة خاصة، وكي أثبت للجميع أن الشاب الإماراتي لا يبحث فقط عن العمل المريح لكنه قادر على خوض كافة المجالات وأصعبها فالعمل في المطبخ أمر صعب، لكنه يسعدني عندما أجد نفسي أصنع أطباقا تعبر عن شخصيتي وعن عادات شعبي وإبداعاتي التي ابتكرتها، وقد عملت في فندق جميرا بيتش سابقا، وأتلقى الآن عروضا من فنادق كثيرة في الدولة للعمل معهم.
تأهيل أكاديمي ومسابقات
ويضيف الكعبي: الحقيقة أنه أثناء عملي في مجموعة فنادق جبل علي، أرسلوني إلى أكاديمية الإمارات وحصلت على أربعة كورسات لدراسة إدارة الفنادق، ودائما أسعى لتطوير نفسي بمعرفة وصفات جديدة من كافة بلاد العالم، وعملت في المطبخ الأيطالي، والعربي عامة كالسوري واللبناني وحاليا أعمل في المطبخ الإماراتي.
وشاركت في 3 مسابقات منذ بداية عملي منذ خمس سنوات تقريبا والأولى كانت عام 2004م في أكاديمية الإمارات وتحديدا في شهر رمضان المبارك لتقديم جديد المطبخ الإماراتي وفزت فيها بالميدالية الفضية، وفي عام 2007 وفي نفس المكان شاركت في مسابقة للطهي أمام الناس مباشرة وفزت فيها أيضا بميدالية فضية، وفي نفس العام شاركت في مسابقة الطهي الذي أقامها مركز دبي التجاري العالمي وحصلت على المركز الأول وفزت بالميدالية الذهبية.
وتضمنت المسابقات عمل ثلاثة أطباق الأول المشهيات ثم الطبق الرئيسي ثم الحلو، وفي المسابقة الأخيرة قمت بعمل لازانية إماراتية استبدلت فيها المكرونة بشرائح الباذنجان واللحم المفروم والباشميل، أما الحلو فقد قمت بعمل أرز بحليب الجمال والزعفران.
واستفدت من تلك المسابقات كثيرا لأنها أتاحت لي فرصة الاحتكاك بالطهاة من مختلف أنحاء العالم والتعرف على خبراتهم، كذلك قدمتني للآخرين الذين أتوا ليتذوقوا ما قدمته.
ويؤكد الكعبي أنه بدأ الطريق ولن تتوقف طموحاته عند هذا الحد فيقول: أطمح للأفضل دائما، وعندي قناعة شخصية أن لكل مرحلة خطوة قادمة تقودني لمحطة أكبر، فأتمنى أن أصل إلى وظيفة رئيس للطهاة ثم مديرا للمأكولات والمشروبات، ثم مديراعاما للفندق، وتراودني أفكار كثيرة حول عمل مطعم خاص بي، إلا أنني مازلت أتعلم ولابد أن أنطلق من قاعدة صحيحة، وسيكون الوقت المناسب عندما أصل إلى اقتناع تام بأنني أصبحت أمتلك كافة المهارات في فنون الطهي، كذلك لدي عروض حاليا لتقديم برامج للطهي في الفضائيات مازلت أدرسها.
رفض الزواج من طباخ
ويشير الكعبي إلى رفض معظم العائلات تزويجه من بناتهم قائلا: لقد ذهبت لأكثر من عائلة لطلب يد ابنتهم، إلا أنني قوبلت بالرفض بسبب مهنتي، إلا أنني تزوجت أخيرا من فتاة قبلت بوظيفتي، ووجدت تفهما كبيرا من أهلها الذين تطابقت رؤيتهم معي في أن العمل عبادة وأن العيب أن يظل الإنسان عاطلا رغم أنه يستطيع الحصول على عمل شريف، والأكل نعمة من رب العالمين.
وزوجتي طاهية ماهرة، إلا أنني أقوم بالطبخ في المنزل في أيام العطلات الأسبوعية، وإذا كان البعض يعتقد أنه من الصعب أن ترضي المرأة بطعامها زوجها الذي يعمل طباخا، فأنا أقول أن المرأة صانعة الرجال فهي الأم التي تربي الأجيال وتعلمهم الأخلاق والشخصية والرجولة ولها دور كبير في التربية والإصلاح.
ويرى الكندي أن هناك الكثيرين من الشبان والبنات الإماراتيات الذين يحبون العمل كطهاة، وهم يأتون إليه في الفندق للتعلم والتدريب ألا أنهم يتنازلون عن رغباتهم بعد الرفض الشديد والضغوط الهائلة التي يمارسها عليهم الأهل، رغم دخول اثنين من الرجال إلى المهنة من بعده ويقول: ستتغير الأمور باقتحامنا لهذا المجال.
وحتما سيغير الناس أفكارهم القديمة عندما يجدونها مهنة جميلة وصاحبها ذو مكانة لا يمكن الاستغناء عنه، وعن نفسي لو وجدت رغبة أبنائي في العمل كطهاة سأتركهم يختارون المهنة التي يحبونها ولكن بشرط واحد هو الحصول على شهادة جامعية أولاً.
ويفضل الشيف الكعبي المطبخ الفرنسي مؤكدا أنه الأفضل في العالم: فهو لا يقتصر على تقديم الوجبات والأصناف الشهية واللذيذة، بل يمتد إلى الأتيكيت وكيفية تقديم الطعام بفن وذوق وهذا أهم مايميزه بين مطابخ العالم،كما أنه يشتهر بأنه يقدم حوالي 500 نوع من الجبنة، والترتيب الفائق للمائدة، وهناك أطباق مميزة لكل مقاطعة فرنسية، ويعتبر الفرنسيون الطهي جزءاً من حضارتهم.
كذلك يأتي المطبخ الايطالي في مقدمة المطابخ المحبوبة عالميا وهو معروف بفخامته وتعدد أنواعه فهو يعتمد على الباستا والبيتزا والمعجنات وزيت الزيتون والأجبان، وتحضير الأطباق بسرعة وسهولة، ونحن العرب نحبه لأنه يتشابه مع مأكولاتنا.
ويرى الكعبي أن أجمل ما يميز المطبخ العربي نكهته التي تمنحها له البهارات وطريقة الطهي، حيث نعتمد على التسوية الجيدة للطعام واستخدام صلصة الطماطم التي يشتهر بها الطبخ جيدا، ومن أشهر الأكلات العربية القوزي في الإمارات والتنور في عمان والمطبق في الكويت والمحاشي والكوارع في مصر.
وأخيرا يتمنى الكعبي العمل في أسبانيا والتي لم يزرها مطلقا من قبل، وذلك لحبه للطعام الأسباني ولتلك الدولة التي ارتبط تاريخها بالعرب



=========



ليست هناك تعليقات: