١١‏/٠٣‏/٢٠٠٩

اضطرابات اللغة تجعل الطفل.. سجيناً بين شفتيه


لقد حبا الله الإنسان نعماً كثيرة ويعتبر التواصل الإنساني بكافة أشكاله إحدى هذه النعم ويعتبر التواصل الشفهي من أهم هذه الوسائل حيث قام الإنسان بتطوير نظامه الرمزي أو ما يسمى اللغة سواء كانت منطوقة أو مكتوبة لإيصال الأفكار والمشاعر والمعلومات وكذلك لنقل التراث الثقافي والقيمي بين الأجيال والشعوب، وقد تحدث للإنسان اضطرابات في التخاطب وتشمل اضطرابات النطق والصوت واللغة، وقد يصاب بها الأطفال مما يعوق مسيرتهم في الحياة.

عمرو عباس سيد أخصائي التخاطب في مؤسسة زايد العليا، كغيره من الأخصائيين في هذا المجال الذين يقع على عاتقهم تشخيص وعلاج مشكلات الكلام واللغة سواء كانت ناتجة من عوامل عضوية أو غير عضوية، وذلك خلال مجموعة من الاختبارات والبرامج، كما يقومون بتقديم الإرشاد للمريض وأفراد أسرته بهدف زيادة الوعي بالطرق المستخدمة في العلاج، ويحدث ذلك ضمن فريق العمل الذي يقدم الخدمات العلاجية والتأهيلية سواء في المدارس والمستشفيات ومراكز التأهيل.يقول عباس: تتميز لغة البشر بازدواجية النموذج أي أن الأصوات المحدودة للغة تتوافق فيما بينها لتكون الكلمات وذلك على مستوى أصوات اللغة وهذه الكلمات تتآلف بدورها فتنشأ الجمل وذلك على مستوى السياق، ثم «الإنتاجية» ففي الإطار المحدود لأصوات اللغة يمكن أن تنشأ كلمات جديدة تتوافق معا طبقا للقواعد السياقية للغة لتقدم لا نهائية من الأقوال الجديدة لذا الإنسان الذي لا يستطيع فهم أو استخدام لغته تقل أو تنعدم فرص اندماجه في المجتمع واشتراكه في أنشطته بصورة طبيعية.
ويحتاج التواصل الشفهي إلى عدة مقومات منها وجود رموز صوتية وهي ما يطلق عليها اللغة وسلامة حاسة السمع والحواس الأخرى وصحة وظائف الدماغ، وكذلك توافق وتفاعل الطفل مع بيئته وهو ما يطلق علية الصحة النفسية وقد يكون بسبب الحرمان بيئي أو أسباب أخرى.
لذلك فإن حدوث أي خلل في إحدى هذه المقومات قد يؤثر سلبا على نمو اللغة لدى الطفل فيؤخر عملية تطوير لغته مما يستلزم التدخل لعلاجها.
ومن أسباب تأخر نمو اللغة أيضا الإعاقة الذهنية حيث يكون لدى هؤلاء الأطفال قدرات ذكائية أقل من المتوسط، ونجد أن لديهم صعوبات في إنتاج الكلام وتكوين الجمل من ناحية السياق «المهارات النحوية» وذلك مقارنة بالأطفال الآخرين.
ويواصل عباس: وكذلك أطفال التوحد فعلاوة على أن هؤلاء الأطفال يعانون من عجز في التفاعل الاجتماعي والتواصل وأنماط من السلوك والأنشطة النمطية المتكررة، فهم يعانون من صعوبات في تنظيم المعلومات واستعمال المفاهيم الدلالية في الموقف الطبيعي المناسب، فهم يواجهون صعوبات في بدء وإنهاء المحادثة واستمرارها وكذلك القيام بلعب الأدوار بين المتكلم والمستمع بما يناسب أغراض التواصل.
وتعتبر الإعاقة السمعية سببا رئسيا في تأخر نمو اللغة ويختلف هذا التأخر باختلاف شدة الفقدان السمعي والعمر عند حدوث الإصابة السمعية ويكون لدى هؤلاء الأطفال تأخر في ظهور الكلمات وتأخر في اكتساب واستخدام القواعد النحوية عند تكوين الجمل وكذلك عيوب في النطق مما يسبب تأخر في التفاعل الاجتماعي عند بعض هؤلاء الأطفال.
كما أن هناك فئة من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات سلوكية وانفعالية حيث تتمثل في سلوكيات غير مقبولة ومخالفة للتوقعات الاجتماعية والثقافية وهؤلاء الأطفال يعانون من مشكلات في الكلام واللغة مما يؤثر سلبا على استعمالهم الاجتماعي للغة.
تأخر نمو اللغة
ويؤكد عباس أنه: لا سبيل إلى برنامج ناجح لعلاج تأخر نمو اللغة بدون خطوة أولية هامة وهي التقويم الدقيق لقدرات الطفل المختلفة لا سيما اللغوية منها، كما قد يكون التقويم لغرض إحصائي لتحديد المتأخرين لغويا من بين الأطفال قبل المدرسة. أو قد يكون بهدف تحديد مدى استفادة الأطفال المتأخرين لغويا من برنامج العلاج اللغوي الذي خضعوا له لفترة من الوقت.
ومن المبادئ الهامة في التقويم أن يكون الغرض من التقويم واضحا قبل تطبيق الاختبارات. كما يفضل أن يبنى تحديد الطفل المتأخر لغويا على الأداء اللغوي وليس على السبب وراء هذا الأداء. كما يجب أن تؤخذ عينة الأداء اللغوي للطفل من أكثر من موقف بما في ذلك المواقف التي تؤكد على النظام اللغوي.
إضافة إلى أنه يجب أن تكون معاير مقارنة الأداء واضحة، ويفضل أن تكون هذه المعاير مبنية على أداء الأقران من نفس السن وليس من نفس القدرات.
ويعد استخدام الاختبارات المعيارية بغية تغطية كافة جوانب اللغة أمر ملح في تقدير القصور اللغوي، مثل «الحكم الإكلينيكي» وهو دور هام في تكوين رأي سليم عن قدرات الطفل اللغوية، ويمكن الاعتماد على هذا الرأي إذا كان الغرض من التقويم هو تحديد ما إذا كان الطفل طبيعيا من ناحية اللغة أو إذا كان مضطربا لغويا ومن ثم يحتاج إلى تقويم أعمق ثم إلى علاج لغوي.
ثم تأتي درجة الأداء في اختبارات الذكاء، حيث يجب وضع ذكاء الطفل في الاعتبار عند تقويم اللغة لديه فهناك علاقة وثيقة بين نمو المهارات المعرفية ونمو اللغة، ثم اختبارات اللغة المستخدمة فالبعض يفضل استخدام اختبارات لغوية استقبالية فقط، والبعض الأخر يفضل استخدام الاختبارات الاستقبالية والتعبيرية كليهما لأن الكثير من الأطفال الضعاف لغويا هم في الواقع أكثر اضطرابا تعبيريا منهم استقبالياً، لذا فقد يضعهم اختبار استقبالي مع الأصحاء لغويا بينما هم ليسوا كذلك.
البداية عند الأمهات
وقد يساور بعض الأمهات بعضا من الشك حول التطور اللغوي لدى أطفالهم وذلك عند مقارنتهم بأقرانهم، لذلك يجب مراجعة أخصائي التخاطب لإجراء الفحوصات التشخيصية ومن ثم وضع الخطة العلاجية والتوصيات اللازمة التي تناسب الحالة.
ومن المعروف أن اللغة تنمو وفقا لجدول زمني متدرج شبة ثابت يبدأ منذ الميلاد حيث يعتبر صراخ الأطفال حديثي الولادة وسيلة من وسائل التواصل وتستطيع الأم التميز بين أنواع الصراخ، فقد يكون إشارة للجوع أو الغضب أو الحاجة للنوم ثم تظهر مرحلة المناغاة حيث يقوم الطفل بإصدار سلسلة من الأصوات المتكررة ثم في عمر من 9 إلى 12 شهر تظهر مرحلة الإيماءات .
حيث يقوم الطفل بعمل إيماءات اجتماعية مثل التلويح باليد للإشارة، إلى السلام ثم في نهاية السنة الأولى يقوم الطفل بنطق كلماته الأولى وربطها بالأشياء المحيطة ويكون الحصيلة اللغوية للطفل في حدود 25 - 50 كلمة ويطلق على هذه المرحلة مرحلة الجملة من كلمة واحدة فعندما يقول الطفل كلمة ماء فهي تعني: «أنا أريد أن أشرب ماء» أو عندما يقول كلمة «باي» فهي تعني: «أريد أن اخرج معكم».
ثم تظهر مرحلة جملة من كلمتين وغالبا في عمر 18- 24 شهرا وتوصف بالكلام التلغرافي حيث تكون الجملة مكونة من كلمات رئيسية محددة، وفي عمر 20 - 30 شهرا يظهر الطفل تطورا في استخدام قواعد تكوين الجملة أو ما يسمى السياق ( syntax ) فيستخدمون حروف الجر والجمع والصفات، إلى أن يكتمل البناء اللغوي فيستطيع الطفل أن يكون جملا تشبه جمل البالغين.
ويستطيع الآباء تطوير لغة أطفالهم فهم حجر الزاوية في توفير بيئة غنية بالمثيرات السمعية واللفظية وذلك من خلال التحدث مع أطفالهم بشكل مستمر في جميع الأنشطة، فمثلا عند تناول طعامه او ارتدائه ملابسه او عند التنزه او الشراء من السوبرماركت فالطفل يقلد ما يسمع، ويجب على الأم أن تحصل على انتباه طفلها قبل التحدث معه وأن تستمر في تزويد طفلها بتعريفات جديدة وعمل تصنيفات للأشياء فمثلا تصنيف الحيوانات والأثاث والفاكهة إلخ وكذلك وصف العلاقات المكانية.
كما يجب على الأم ألا تجبر طفلها على الكلام وأن تتقبل أخطاءه حسب تطور عمره وأن تفحص سمعه عندما تجد أنه لا ينتبه للأصوات أو لا يستجيب للأصوات العالية كما يجب عرضه على أخصائي أمراض التخاطب لتقييم الأداء اللغوي لد الطفل.


============


ليست هناك تعليقات: